"المبين" فقد ورد في كثير من الآيات منها قوله تعالي: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين". وفيها يبين الله تعالي لأهل الكتاب من اليهود والنصاري انه قد جاءهم رسوله محمد صل الله عليه وسلم يظهر لهم كثيرا مما أخفوه وكتموه من الأحكام كآية الرجم وصفة النبي صل الله وسلم ويعفو عن كثير مما يكتمونه فلا يتعرض له لأنه لا حاجة إلي إظهاره. قد جاءكم يا أهل الكتاب من الله تعالي نور وكتاب مبين. والنور هنا علي القول الراجح هو النبي صلي الله عليه وسلم. والكتاب المبين لا خلاف في أن المراد به القرآن الكريم ولا ينفي ذلك توحيد الضمير في الآية التالية: "يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام" قال أبو السعود: توحيد الضمير "من اتبع رضوانه سبل السلام" قال أبو السعود: توحيد الضمير المجرور لاتحاد المرجع بالذات أو لكونهما في حكم الواحد أو أريد يهدي بما ذكر. هذا وقد ورد وصف القرآن بالمبين في كثير من الآيات لا سيما في بدايات بعض سور القرآن الكريم ففي أول سورة يوسف "الر تلك آيات الكتاب المبين" وأول سورة الحجر "الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين" وكذلك في أوائل السور التالية: الشعراء والنمل والقصص والزخرف والدخان. كما ورد في سورة يس: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول علي الكافرين". أما المعني المراد من "المبين" فإنه يعود إلي شيئين أولهما: قال الطاهر بن عاشور أن يكون أن يكون اسم فاعل من أبان القاصر الذي هو بمعني بان في ظهوره أي ظهور قرآنيته العظيمة أي ظهور إعجازه الذي تحققه المعاندون وغيرهم. قال: وإنما لم نجعل المبين بمعني أبان المتعدي لأنه كونه بينا في نفسه أشد في توبيخ منكريه من وصفه بأنه مظهر لما اشتكل عليه. ثانيهما: المبين من أبان المتعدي لأنه مظهر لما شاء من حقائق الدين ومصالح الدنيا. ولا مانع من حمل معني المبين كوصف للقرآن علي كلا المعنيين بل هو أولي. قال صاحب المنار عند تفسيره لأول سورة يوسف: "الر تلك آيات الكتاب المبين" البين الظاهر بنفسه في حقيقته وإعجازه وكونه ليس من كلام البشر. والمظهر لما شاء من حقائق الدين ومصالح الدنيا. وقال مجاهد بين الله حلاله وحرامه وقال الزجاج مبين الحق من الباطل والحلال من الحرام تقول العرب أبان الشئ فعلا لازما بمعني ظهر واتضح وتقول أبان للرجل كذا إذا أظهره وفصله من غيره مما شأنه أن يشتبه به ويجوز الجمع بينهما هنا كما قلنا آنفا. وإليك عبارات المفسرين في معني المبين: ذكروا أقوالا هاك مفادها: القول الأول: المبين من جهة أحكامه وحلاله وحرامه: ذكره ابن عطية وعزاه الماوردي لمجاهد. القول الثاني: قال ابن عطية المبين من جهة مواعظه وهداه ونوره وقال الماوردي المبين هداه ورشده قاله قتادة. القول الثالث: قال ابن عطية المبين من جهة بيان اللسان العربي وجودته إذ فيه ستة أحرف لم تجتمع في لسان روي هذا القول عن معاذ بن جبل. لم قال محققاه: هي الصاد والضاد والطاء والظاء والعين والحاء. ولاحظ قوله لم تجتمع فإن هذا هو المقصود. القول الرابع: قال ابن عطية ويحتمل أن يكون مبينا لنبوة محمد صلي الله عليه وسلم بإعجازه. والصواب إنه مبين بجميع هذه الوجوه.