إن الحياة مَلْأَي بالمفارقات تزخر بالبهجة والسرور وفي الوقت نفسه تعج بالهموم والابتلاءات. ومسيرة الإنسان في مجريات حياته وتدبير شئونه بين يسر وعسر وسراء وضراء وأفراح وأتراح. والمسلم مأجور في ذلك كله. فهو في السراء حامد شاكر وفي الضراء صابر محتسب. عَنْ صُهَيْبي رضي الله عنه أن رسول اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرى وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدي إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" "أخرجه مسلم". وفي خضم الحياة ومعتركها ينتاب الإنسان شعور بالضعف وإحساس بالعجز وعدم القدرة علي مواصلة السير ومتابعة العمل فيأتي المنهج الإسلامي الحكيم ليفتح أمام الإنسان طاقات الأمل ويبدد أخطبوط اليأس ويمحي خيوط الظلام ويجعل الإنسان يستقبل زمانه بعمل مستمر وسعي دءوب يستثمر طاقته المعطلة من جراء تقلبات الدهر وحدثان الليل والنهار لنفعه وخير المجتمع » فإن الحياة لا تتوقف علي أحد ولا تنتهي عند حد ما لم يقض الله تعالي ذلك. ومن الأمور التي وضعها الإسلام علاجا لما ينتاب الإنسان من شعور: أولا: حول نظرة الإنسان لكل ما يحدق به من بلاء أو مشقة أو يواجهه من عقبات وعراقيل من كونها نهاية المطاف أو استبعاد العودة إلي ميدان الحياة مرة أخري إلي أن ذلك كله ابتلاء من الله عز وجل لعباده المؤمنين يتعاظم بها الأجر ويزداد معها الثواب. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكي رضي الله عنه أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْه ِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ. وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ. فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا. وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ" "سنن الترمذي". أما إذا كسب إثما أو اقترف سوءا كان ذلك تطهيرا له وتكفيرا لخطاياه. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبي وَلَا نَصَبي وَلَا سَقَمي وَلَا حَزَني حَتَّي الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ" "أخرجه مسلم". ثانيا: ربما ينتاب الإنسان الشعور باليأس وفقدان الأمل والإحساس بالغربة فيتمني لو لم يعش هذا الوقت أو ما أتي عليه ذلك الزمان. ووجه الإسلام الإنسان لقول ما يصلح وفعل ما ينفع. فلا يتمنين الموت ولا يتكاسل عن العمل ولا تضعف همته ولا تفتر عزيمته. ويكل الأمر كله لله عز وجل» فكل من عند الله تعالي. عَنْ أَنَسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيَّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ¢لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرّي أَصَابَهُ. فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا. فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي. وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي¢ "متفق عليه". ثالثا : قد يضيق بالمرء حاله وتتأزم به الأمور ويظن أنه لا يستطيع التأقلم مع واقعه أو التعايش مع إخوانه فيقدم علي الانتحار فيزهق نفسه ويتخلص منها ظنا أن في ذلك راحته. فجعل الإسلام ذلك جريمة منكرة وجريرة لا يقدر صاحبها تحمل ويلاتها » فمن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. جزاء وفاقا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيَّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَرَدَّي مِنْ جَبَلي فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّي فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ تَحَسَّي سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةي فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا" "البخاري". رابعا: أحيانا تأتي الرياح بما لا يشتهي الإنسان والنتائج علي عكس المتوقع والثمار بخلاف ما يبغي. وهذا أمر طبعي يحدث كثيرا. فيصاب صاحبه بفتور قد يبعده عن ساحة العاملين ويثنيه عن طريق الجادين. وعجلة المسير لا تتوقف فهي دوارة كعادتها. وربما يكون هناك خير يخفي في طيات تخلف النتيجة أو تأخر الثمرة. ليعيد المرء ترتيب أوراقه واستعادة ملفاته واستدراك ما فاته فيعد للأمر عدته ويأخذ للموقف أهبته ويستعد للعمل من جديد بعد أن ازدادت خبرته وكثرت درايته وعلم أماكن الضعف ومواطن الخلل ومواضع القصور فيري ما تأخر حصوله في صورة أفضل وهيئة أكمل ما كانت لتتأتي من قبل. فينشرح بها صدره ويسعد فؤاده وتطيب نفسه. فالنجاح لا يأتي سهلا ولا تتأتي النتائج التي توضع خلالها القواعد من مرة واحدة. بل بعد عمل مضني وجهد متواصل. ويستلزم ذلك قوة القلب ومواجهة التحديات ومغالبة الصعوبات وتعدي الحواجز. وقتها يدرك أن ما قدر الله من قبل هو الخير كل الخير. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرى وَأَحَبُّ إِلَي اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. وَفِي كُلّي خَيْرى احْرِصْ عَلَي مَا يَنْفَعُكَ. وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءى فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" "صحيح مسلم".