لأن كثيرا من الناس يظن أن الرومانسية والعاطفة مع النساء لا تأتي إلا من أشكال المسلسلات التركية والمكسيكية. وهم لا يعلمون أنه صلي الله عليه وسلم ضرب أروع الأمثال في عاطفته في التعامل مع زوجاته. كان لابد أن نتحدث عن جانب من رومانسيته صلي الله عليه وسلم مع زوجاته. حيث كان في التعامل مع زوجاته مثالنا الأعلي. فقد كان عليه الصلاة والسلام يعرف مشاعرها وأحاسيسها. كان يقول للسيدة عائشة رضي الله عنها: إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبي. أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد. وإذا كنت عني غضبي قلت: لا ورب إبراهيم. رواه مسلم. وكان يُقدِّر غيرتها وحبها. فتقول أم سلمة رضي الله عنها: أتيت بطعام في صحفة لي إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم. وأصحابه. فقال: من الذي جاء بالطعام؟ فقالوا: أم سلمه. فجاءت عائشة بحجر ناعم صلب ففلقت به الصفحة. فجمع النبي صلي الله عليه وسلم بين فلقتي الصفحة وقال: كلوا. يعني أصحابه. كلوا. غارت أمكم. غارت أمكم. ثم أخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلي أم سلمة وأعطي صحفة أم سلمة لعائشة¢!! وكان يتفهم نفسيتها وطبيعتها. قال صلي الله عليه وسلم: ¢.. استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع. وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. فإن ذهبت تقيمه كسرته. وإن تركته لم يزل أعوجا. فاستوصوا بالنساء خيرا¢ والحديث ليس علي سبيل الذم كما يفهم العامة بل لتفهيم وتعليم الرجال. وفي الحديث فهم عجيب لطبيعة المرأة. وفيه إشارة إلي إمكانية ترك علي اعوجاجها في بعض الأمور المباحة. وألا يتركها علي الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص كفعل المعاصي وترك الواجبات. وكان يشتكي إليها ويستشيرها. استشار النبي صلي الله عليه وسلم زوجاته في أدق الأمور ومن ذلك استشارته صلي الله عليه وسلم لأم سلمة في صلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدي وحلق الرأس فلم يفعلوا لأنه شق عليهم أن يرجعوا ولم يدخلوا مكة. فدخل مهموما حزينا علي أم سلمة في خيمتها فما كان منها إلا أن جاءت بالرأي الصائب: أخرج يا رسول الله فاحلق وانحر. فحلق ونحر وإذا بأصحابه كلهم يقومون قومة رجل واحد فيحلقون وينحرون. يظهر محبته ووفاءه لها. قال صلي الله عليه وسلم لعائشة في حديث أم زرع الطويل. والذي رواه البخاري: ¢كنت لك كأبي زرع لأم زرع¢ أي أنا لك كأبي زرع في الوفاء والمحبة فقالت عائشة: بأبي وأمي. لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع. وكان يختار أحسن الأسماء لها. فيقول ل"عائشة": يا عائشة. يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام¢. متفق عليه. وكان يقول لعائشة أيضا: يا حميراء. والحميراء تصغير حمراء يراد بها البيضاء. ويأكل ويشرب معها. فتقول عائشة رضي الله عنها: كنت أشرب فأناوله النبي صلي الله عليه وسلم فيضع فاه علي موضع فيّ. وأتعرف العرق فيضع فاه علي موضع فيّ. رواه مسلم والعَرْق: العظم عليه بقية من اللحم وأتعرق أي آخذ عنه اللحم بأسناني ونحن ما نسميه بال¢قرمشة¢. لا يتأفف من ظروفها. فتقول عائشة رضي الله عنها: كنت أُرَجِّلُ رأس رسول الله صلي الله عليه وسلم يعني أسرح شعره وأنا حائض. ويتكئ وينام علي حجرها. فتقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض. رواه مسلم. ويتنزه معها ويصطحبها. فقد كان صلي الله عليه وسلم إذا جاء الليل سار مع عائشة يتحدث. رواه البخاري ويساعدها في أعباء المنزل. سئلت عائشة: ما كان النبي صلي الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان في مهنة أهله. رواه البخاري. ويقوم بنفسه تخفيفا عليها. سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرًا من البشر. يخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه. رواه الإمام أحمد. وقد تحمل من أجل سعادتها. فقد دخل أبو بكر علي النبي صلي الله عليه وسلم وهو مغطَّي بثوبه. وفتاتان تضربان بالدف أمام عائشة فاستنكر ذلك. فرفع النبي الغطاء عن وجهه وقال: دعهما يا أبا بكر. فإنها أيام عيد. ويعطيها حقها عند الغضب. فقد غضبت عائشة ذات مرة مع النبي صلي الله عليه وسلم فقال لها: هل ترضين أن يحكم بيننا أبو عبيدة بن الجراح؟ فقالت: لا.. هذا رجل لن يحكم عليك لي. قال: هل ترضين بعمر؟ قالت: لا.. أنا أخاف من عمر.. قال: هل ترضين بأبي بكر "أبيها"؟ قالت: نعم!!. ويهدئ من روعها. كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا غضبت زوجته وضع يده علي كتفها وقال: "اللهم اغفر لها ذنبها واذهب غيظ قلبها. وأعذها من الفتن". وهذا قليل من كثير. لعل الأزواج يقتدون بسيد الخلق. فتنعم وتسعد حياتنا.