يتعرَّض التَّعليم الأزهريّ وخرّيجُوه لهجمة تغريبيَّة شرسة تَكاد تكُون منظمة. ويحاول هؤلاء إسقاط مكانة وهيبة علماء الأزهر في المجتمع. ولا غرو في ذلك فقد لقي الأزهر من حرب المستعمرين وأذنابهم وأبواقهم والساخرين منه - تقربا إلي أعداء الإصلاح - بنكباتهم ورسوماتهم ومقالاتهم وبحوثهم وكتبهم ودراساتهم حربًا لا هَوادَة فيها. فضيَّق بعضهم علي الأزهر وعلي المتخرجين فيه تضييقًا لا يزال بعضه باقيًا يعمل شيخ الأزهر - حفظه الله - علي رفعه قدر الإمكان.وسَخِر الأتباع من العلوم التي يقوم الأزهر بتدريسها. ومن اللغة العربية. ومن الزيّ الذي يلبسون. والكلمات التي ينطقون. وكان وما زال القصد من وراء هذه الحملات هو أن يُعزل الأزهر بشيخه ورجاله وعلومه عن الحياة. وعن التَّأثير والإيجابيَّة في المجتمع. ينعزل الأزهر بهذا الأسلوب الخبيث عن المجتمع انعزالاً يُوهم النَّاس بأنَّ العيبَ كامنى في الدين. إنَّ ما يحاك بالتّعليم الأزهريّ وخريجيه عن طريق هجوم شبه متتابع من الصحافة والإعلام لتحقيق مأربهم في إيقافِ رسالة الأزهر في نشر العلم الصحيح والدعوة إلي الله تعالي بالحكمة والموعظة الحسنة. علي بصيرةي من القرآن والسنة الصحيحة لن يفلح أبدا بإذن الله. والحمد لله عاد جيل العلماء المبرزين في علوم الدين واللغة إلي حلقاتهم في الجامع الأزهر. هؤلاء العلماء الذين وهبوا حياتهم للدرس أعادوا للأزهر خاصيته الروحية التي كانت تحمل شيوخه وطلابه علي التفاني في التحصيل والدرس والتعلّق بشرف العلم. والإعراض عن مغريات الدنيا وإيثار التقشف والزهد علي الحياة الناعمة. ولقد حمل شيخ الأزهر علي عاتقه قانون تطوير الأزهر. وأدرك بحسه الفلسفي أن إصلاح الأزهر ليس في اقتباس نظام وزارة ما. ولا ملاحقة وزارة أخري للإفادة من خبرة رجالها. ولا بزيادة كم العلماء والطلاب.... وإنما إصلاح الأزهر عن طريق رجاله... فإصلاح الأزهر فكرة. وتنفيذ رسالة. هي فهم الإسلام. وحسن عرضه. والملاقاة به لما يواجه المسلم من مشاكل... وهي رسالة فريدة لا يمكن لمؤسسة تعليميّة أخري أن تنهضَ بها... ولذلك لا تجدي مشورة أحد من خارج الأزهر. لقد أدرك قادة التعليم الأزهري أن إدارتهم ليست كأي إدارة في الشرق. وأن مناهج الأزهر إنما هي إيمان وفهم صادق للحياة. والإيمان هو الإيمان بالله أولا. والإدراك للقيم: هو الإدراك أولا للكرامة الإنسانية. والفهم الصادق للحياة: هو الفهم أولا لوضعية الشعوب الإسلامية في خضم الأحداث الجارية. والتنافس الغربي والشرقي علي جعلها تسير في فلك هذا أو ذاك. إنَّ صور الهجوم علي المناهجِ الأزهريَّة تعددت أساليبها واختلفت مسمّياتها لكنها لم تنته إلي يومنا هذا » ولعل من أخطرها هؤلاء الذين يتحدثون بلغتنا ممن يسمون أنفسهم بالإصلاحيين والعصرانيين أو العقلانيين... أو تحت أي مسمّي آخر. يهاجمون المناهج الأزهرية ويشكّكون في قدرة من أوكل إليه صياغة مناهج الأزهر في بلادنا. ويطعنون في هذه المؤسسة التليدة. وما ذكره أحد الأشخاص في وسائل الأعلام عن مناهج الأزهر ما هو إلا مثال من تلك الأساليب المتعددة والمتنوعة للتأثير علي مناهج التعليم الأزهري. وإلا فإنّ وسائلهم يصعب حصرها وتتجدد مع تجدد العصر والزمان. إنّ التطوير الذي يحدث في الأزهر منذ أن تولي الإمام الأكبر د. أحمد الطيب مشيخة الأزهر يتم في صمت. ولا يعني ذلك حذفاً لأفكار متطرفة. أو أقوال شاذة. فمناهج الأزهر لم يكن بها مثل ذلك ولن يكون. ففضل الأزهر علي جميع الفرق الإسلامية لا ينكر. وإنما التطوير من باب الاهتمام بتخريج الدعاة الصالحين الأقوياء علميا وإعادة هيبتهم في المجتمع وتوفير كل السبل الماديّة والمعنويّة التي تُعيد لخرّيج الأزهر هيبتهُ ومكانته العلميّة والاجتماعيّة. ولقد فتح شيخ الأزهر الأبواب بصورة أوسع لطلاب المنح من جميع أقطار العالم. وهيأ كل السبل لتوفير المناخ المناسب لتحصيلهم العلمي من خلال مناهج الأزهر ليكونوا مشاعل نور ورسل خير في بلدانهم. يحملون رسالة الإسلام في الدعوة إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وذلك بإنشاء كلية للوافدين في جامعة الأزهر. وقد تنبّه مجمع البحوث الإسلامية عام 2003م إلي خطورة هذه الدعوات الرامية إلي تغيير مناهج الدراسة في الأزهر الشريف. وجاء في البيان: ¢ ولقد تبع هذه التصريحات والكتابات دعوات غريبة وشاذة للتدخل في أخص خصائص الإسلام والمسلمين. فتجاوز التدخل في الشئون السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي. إلي الحديث عن ضرورة تغيير مناهج التعليم الديني. والمدارس القرآنية في بعض البلاد الإسلامية. وفي مواجهة هذه الحملة يري مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أن يعلن أن التهجم علي أي دين من الأديان. والسعي لتغيير أو تعديل هويات الأمم وثقافات الشعوب إنما هو تجاوز للخطوط الحمراء يصل إلي حد اللعب بالنار وتعريض السلام العالمي لأشد المخاطر والتحديات. والإسلام يصنف هذه الدعوات والكتابات والتصريحات والمساعي في باب "فتنة الناس في دينهم" والفتنة أشد من القتل وهي سبب من أسباب الإذن والتحريض علي الجهاد وحتي يكون الدينُ خالصًا لله. وحتي تكون الحرية مكفولةً لكل صاحب عقيدة وهوية وثقافة. ويختار ما يريد ضميره الحر. لا ما يفرضه المتجبرون علي المستضعفين. لذلك يحذر مؤتمر المجمع من العواقب الوخيمة لهذه الحملة الظالمة والشرسة علي الإسلام وعلي التعليم الديني الإسلامي ¢. وإننا ندعو علماء الأزهر وجميع المخلصين إلي التنبه إلي ذلك الخطر المحدق بمناهج التعليم الأزهري من خلال هذه الهجمات الشرسة. وإلي عدم الإذعان لمطالب الإصلاح الخارجيّ في مناهج التعليم الأزهري. وعلينا أن ندرك أن الأمر لن ينتهي إلا عند انخلاع الأزهر عن رسالته. وإنني أدعو من اغتر بدعاوي هؤلاء وهاجم مناهج التعليم الأزهري في بلادنا أن يتقي الله تعالي في أزهرنا ومصرنا. وأن يتوبَ وينيب إلي الله تعالي من تلك الدعاوي. وإن كان جاهلا بنظام الأزهر التعليمي - الذي تأسّس منذ أكثر من ألف عام - ألا يردد ما ليس له به علم. ويستمع لقول الحق تعالي: ¢ ولا تقفُ ما ليس لك به علمى إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كانَ عنهُ مسئولا ¢ "الإسراء / 36". ولا غرو أن نبارك هذا التطور المحمود في مناهج الأزهر التعليمية الذي يقوم به وكيل الأزهر ورجاله في المؤسسة التعليمية الأزهرية. وذلك باستخدام الوسائل المشروعة والتقنيات الحديثة. والعمل علي تطوير أداء معلمي العلوم الشرعية وإقامة الدورات التدريبية التي تحقق الارتقاء بكفايات وقدرات المعلمين الأزهريين وتبقي لمناهج الأزهر صبغتها التخصصيّة. فعصرنا عصر التخصصات التي تخرج الفنيين والخبراء في كل فروع العلم وليس الدين واللغة بأقل شأنًا مما تتطلبه هذه التخصصات. وسيبقي نظام الأزهر التعليمي دليلا علي شخصية الأزهر العلميّة الدينية.