أبوبكر الصديق هو صاحب هذه السيرة العطرة. وهو من أشهر شيوخ قبيلة بني عدي العربية. وأول من أسلم من الشيوخ. وهو صاحب النبي صلي الله عليه وسلم في هجرته من مكةالمكرمة إلي المدينةالمنورة. والذي أنزل الله فيه قوله تعالي : "ثاني اثنين إذ هما في الغار. إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" [التوبة 40]. وهو أبو أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ومن أهم كل ذلك ما يمكن بلورته من سيرته رضي الله عنه : أولاً : الفطنة : كان أبوبكر الصديق شيخاً فطناً حكيماً فكان يعرف صدق محمد بن عبداللاه قبل البعثة. وأمانته. ورجاحة عقله عند معظم شيوخ قبائل مكة ووجهاء العرب. فكان أبوبكر الصديق سباقاً إلي الإيمان بدعوة محمد صلي الله عليه وسلم إلي الإسلام فكان أول من أسلم من الرجال لفطنته وفي الفطنة يقول رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم "المؤمن كيس فطن" فكان أبوبكر الصديق نعم الحكيم الذكي اللبيب الفطن في أقواله وأعماله. ثانياً : الشجاعة والوفاء : هاجر النبي صلي الله عليه وسلم من مكةالمكرمة إلي المدينةالمنورة وكان أبوبكر الصديق رفيقه في هذه الهجرة. وكان سعيداً بهذه المرافقة الخالدة. وكانت قريش تتابع محمداً من هجرته لتجهز عليه. وتقضي علي دعوته فاختفي النبي عليه السلام وصاحبه الصديق في الغار. وأعمي الله عنهما عيون الكفار.. واستمرت الهجرة حتي بلغ النبي عليه السلام وصاحبه الصديق المدينةالمنورة وذلك يتطلب الشجاعة من الصديق. كما يتطلب الوفاء لصديقه محمد صلي الله عليه وسلم فكان أبوبكر الصديق نعم الوفي الشجاع في حادث تلك الهجرة الخالدة في تاريخ الإسلام. ثالثاً : النفس المؤمنة : إذا تمكن الإيمان من النفس الإنسانية أصبحت نفساً هادئة مطمئنة. تقبل كل ما يجري في الحياة علي أنه قدر مقدور من عند الله سبحانه وتعالي مهما كانت قسوة ما يحدث. وشدته علي النفس. ولم يكن هناك حدث أشد ألماً وقسوة علي نفوس المؤمنين الأوائل من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم من موته ومفارقته لهؤلاء المؤمنين فأثر هذا الحدث الجلل علي نفوس أولئك المؤمنين الأبرار حتي عمر بن الخطاب. ذلك المؤمن قوي الإيمان تأثر بهذا الحدث حتي إنه قال : من يزعم أن محمداً قد مات أو قتل لاقطعنه حتي جاءه أبوبكر الصديق وهو هاديء الحركة مطمئن النفس وهو يقرأ قال الله تعالي "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" [آل عمران 144] فلما قرأها علي عمر بن الخطاب هدأت نفسه. وكأنه لأول مرة يسمعها وهكذا كان أبوبكر الصديق صاحب نفس مؤمنة هادئة مطمئنة أمام الشدائد والمكاره في الحياة. رابعاً : رقيق المشاعر : كان أبوبكر الصديق نموذجاً فريداً للمشاعر الرقيقة حتي أنه لم يستطع أن يقف مكان رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يؤم المسلمين في الصلاة أثناء مرض الرسول عليه السلام لولا أن كرر الرسول عليه ذلك الطلب وهو إمامة المسلمين في الصلاة وكانت السيدة عائشة أم المؤمنين تقول عنه إنه "رجل أسيف" أي رقيق المشاعر مرهف الحس والوجدان. خامساً : رجل المهمات الصعبة : أبوبكر الصديق ذلك المؤمن رقيق المشاعر مرهف الحس لين الجانب تراه أمام الشدائد وقد أصبح قوي الشكيمة رابط الجأش لأنه يتحمل المسئولية وضح ذلك في موقفه السابق حين وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم كما وضح في موقفه من محاربة المرتدين وأصر علي ذلك مهما كانت النتائج فكان ذلك المؤمن القوي الجسور أمام هذا الأمر الخطير الذي واجهه في خلافته للمسلمين. وكان أبوبكر الصديق نموذجاً للتواضع استمع إليه بعد أن اختاره الشعب لخلافة رسول الله صلي الله عليه وسلم قال الصديق : "لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني علي حق فأعنوني. وإن رأيتموني علي باطل فقوموني" هذا هو الخليفة الأول للمسلمين ذلك المؤمن الكيس الفطن. الوفي الشجاع. مطمئن النفس رقيق المشاعر مرهف الحس ولكنه عند الشدائد يبدو أنه رجل المهمات الصعبة أو أن "تحمل التبعة يُبدل أطور النفوس كما يقول فيه عباس محمود العقاد في عبقرية الصديق. فكم في سيرته العطرة من الدروس المفيدة فهل تستطيع مناهج العلوم الشرعية بمدارسنا أن يقدم ذلك للنشء بأساليب وطرائق تجعله محبباً لنفوسهم؟! فيقدمون علي تحصيله وتطبيقه في حياتهم لعل ذلك يكون ميسوراً.