عاش المصريون علي مدي ما يزيد علي نصف قرن مضي حلم إنشاء بيت الزكاة المصري. ورغم الكثير من المحاولات التي سعت الي إخراج هذا المشروع الإسلامي التنموي إلي النور. لكنها جميعاً لم يكتب لها النجاح إلا أنه ومع مصر الثورة بموجتيها الأولي والثانية. ومع استقرار الأمر للرئيس عبدالفتاح السيسي وربما في أول لقاء جمعه بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر. وكبار العلماء. تجدد الحديث حول إنشاء بيت الزكاة والصدقات المصري بقانون أصدره الرئيس منذ عدة أيام ليعمل بيت الزكاة كهيئة مصرية مستقلة تحت إشراف الأزهر علي أن يتشكل مجلس إدارته وهيئة أمنائه من العلماء والشخصيات الثقات الذي يحملون أمانة جمع وتوزيع الزكاة من دافعيها الي مستحقيها وفق المصارف الشرعية. بداية نقف معا عند المحاولات العديدة التي جرت لإنشاء بيت الزكاة المصري. والتي ربما بدأت مبكراً منذ إنشاء هيئة الأوقاف المصرية إذ تمثل أموال الوقف وأموال الزكاة جناحين متلازمين للاقتصاد في الإسلام لكن ألقي الضوء عليها بشكل واضح ربما مع محاولات الدكتور صوفي أبوطالب رئيس مجلس الشعب ضمن مجموعة قوانين ذات البعد الإسلامي. لكن محاولته لم تفلح. في عهد الدكتور نصر فريد واصل في دار الإفتاء المصرية قدم اقتراحا للرئيس مبارك وقتها بأن الزكاة أو بيت الزكاة حل لكل أزمات مصر فطلب منه الرئيس الاجتهاد في إعداد تصور لإمكانية تنفيذ هذا الأمر. فلجأ لمركز الاقتصاد الإسلامي والذي كان يترأسه حينئذ الدكتور محمد عبدالحليم عمر والذي بذل جهداً كبيراً في تشكيل لجان مختلفة لعمل قانون متكامل وتصور متوازن لمشروع هيئة وبيت الزكاة المصري يعظم الاستفادة من أموال الزكاة التي قيل وقتها.منذ أكثر من عشر سنوات. أنها تقدر بنحو 20 مليار جنيه مصري سنوياً. وأشرف علي اللجنة القانونية الفقيه التشريعي الأول في مصر في حينها الدكتور صوفي أبوطالب. لكن الحلم وقتها توقف.بحسب رواية الدكتور محمد عبدالحليم عمر لي. حين تفاجأ في أحد الأيام وفي الصباح الباكر بالإمام الأكبر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي.يدخل عليه مكتبه وقال له بالحرف الواحد:¢اعطني كل الأوراق المرتبطة بموضوع قانون الزكاة اللي عندكم¢ وانتهت المحاولة عند هذا الحد. وقيل في أسباب منع د. طنطاوي.رحمه الله. أمام التجربة روايتين الأولي أن بيت الزكاة علي الشاكلة الموضوعة في حينها كان يفترض انه مستقل عن الدولة وسينافس لجنة جمع الزكاة بالأزهر التي كانت تدر دخلا كبيرا يخصص منه جزء لرعاية المعاهد الأزهرية ومسابقات القرآن الكريم في الأزهر. وأن الشيخ خشي علي تؤثر ما يجمعه الجامع الأزهر من مبالغ. والرواية الثانية هي أن شيخ الأزهر وقتها كان يخشي علي أموال الزكاة من أن تضع الدولة يدها عليها ويحرم منها مستحقيها. وأنه في حال حدوث ذلك سيعزف الناس عن دفع الزكاة وفي هذه الحالة سيحرم الناس حقهم في مال الزكاة فلا تركت علي عشوائيتها ولا جمعت واستفادوا منها والرواية الأخيرة أظنها الأقرب للحقيقة. وأيا كانت الأسباب فقد توقفت تلك المحاولة عند هذا الحد وراحت الأوراق التي جري إعدادها إلي حيث لا يعلم أحد حتي الآن. بعد تلك المحاولة تم عقد مؤتمر مهم علي مدار يومين لمركز الاقتصاد الإسلامي حول دور الزكاة والوقف في التنمية. وكان من بين محاور وموضوعات الأبحاث تجارب الزكاة في الدول الإسلامية. وكم حزن المصريون المشاركون حين وجدوا أن السودان تجمع فيها الزكاة إجباريا من قبل الدولة. وأنه لا يمكن أن ينقل أحد محصوله الزراعي من مكان لآخر أو يبيعه إلا ومعه إيصال يؤكد أنه سدد زكاته. وذلك يأتي في الوقت الذي لا تزال زكاة المصريين التي تقدر بالمليارات مهدرة عشوائية الجمع والتوزيع. اعقب تلك التجربة محاولة أخري للشيخ صالح عبدالله كامل.رجل الأعمال السعودي المعروف. ورئيس الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة. والذي طرح مشروعاً عالميا لإنشاء بيت الزكاة العالمي. وخرج الرجل في جولة للقاء رؤساء العالم الإسلامي. ومنهم الرئيس مبارك لهذا الغرض. وبعدها تم إنشاء المؤسسة الأهلية لبيت الزكاة المصري ضم في عضوية مجلس إدارته كلا من الدكتور محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية. والدكتور محمد عبدالحليم عمر وآخرين لكن لا يدري الي أين تطورت أعمال هذا المشروع لكن الرؤية العامة لدي الشيخ صالح كامل لم تكتمل ولم تنفذ وفق طموحه وقتئذ. وفي برلمان 2012 قدم علم الدين السخاوي.عضو المجلس عن الإخوان. مشروع قانون لإنشاء بيت الزكاة المصري لكنه لم ير النور. زيارة الكويت في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو زار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر دولة الكويت وكان من بين الهيئات التي زارها بيت الزكاة الكويتي. وهو ما يعد أنجح وأكبر بيت للزكاة في العالم الإسلامي. ومع استعراض القائمين عليه انجازاتهم الممتدة في كل بقاع الأرض أبدي شيخ الأزهر إعجابه بالمشروع وصدق نيته ليطبق هذه التجربة الناجعة في مصر وأخذ يجهز لجانا واجتماعات لدراسة الأمر وإعداد تصور عما يليق بتجربة كهذه في مصر. ومع أول لقاء لشيخ الأزهر وكبار العلماء مع الرئيس السيسي عقب فوزه طرح عليه الأمر فرحب به جداً ليعود الشيخ ورجاله ليكملوا نقاشاتهم الي أن تم وضع القانون المنظم لعمل بيت الزكاة والصدقات المصري والذي صدر في قرار جمهوري بقانون بإنشاء بيت الزكاة والصدقات المصري كمؤسسة أهلية مصرية تعني بجمع وإنفاق الزكاة الصدقات بشكل اختياري من دافعي الزكاة والصدقات بإشراف الأزهر الشريف وفق الضوابط الشرعية و في المصارف الشرعية . وتمت إضافة بند الصدقات الي مجال عمل البيت علي أساس أن ذلك سيوسع مجال عمله في الجمع والإنفاق. قائم علي الشفافية عن الآمال المطروحة في بيت الزكاة والصدقات الجديد يقول الدكتور شوقي علام. مفتي الديار المصرية: إن هذا المشروع الضخم ينبئ بخير كبير إذ سيعتمد نظاما مصرفيا في غاية الشفافية. حيث سيستطيع اي شخص أن يدخل للموقع الالكتروني لمعرفة ما تم جمعه. وما تم إنفاقه وأوضح أنه تم تسمية الهيئة ببيت الزكاة والصدقات حتي توسع قاعدة الموارد والمصارف الي جانب الالتزام الكامل بأن ما يرد كزكاة سينفق في مصارف الزكاة الثابتة شرعا. وأنه لن يتعارض بيت الزكاة مع المشاريع الخيرية الناجحة في البلاد. الجمع والتوزيع يوضح الدكتور يوسف إبراهيم.مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر. أن تحصيل الزكاة وإنفاقها في مصارفها الشرعية من مسئوليات الحاكم قال تعالي: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيِهم بِهَا". كما أن الرسول صلي الله عليه وسلم أمر بجمع وتوزيع الزكاة كما قام بذلك الخلفاء الراشدون من بعده. و أنه يتعين علي الحاكم أو ولي الأمر أن يتولي أمر تحصيل وإنفاق الزكاة من خلال إنشاء هيئة أو مؤسسة تتولي تنظيم ذلك. ولما كانت الكثير من دول العالم تطبق نظام الضرائب. وتنشئ لذلك الجهات المختصة بتحصيلها. وكانت الزكاة تختلف عن الضريبة من حيث مصدر التشريع والمفهوم والمقاصد والوعاء والخاضعين لها. والسعر ووقت الأداء والمصارف وغير ذلك. وقال د. يوسف: إن هناك أهمية من وجود استقلال مالي لبيت الزكاة عن الدولة حتي لا تختلط أموال الزكاة بأموال الضريبة. وأن يكون لبيت الزكاة موازنة مستقلة. علي أن يخضع بيت الزكاة لإشراف ورقابة شرعية من جانب هيئات الفتوي والرقابة الشرعية. ومالية من جانب مراقبي الحسابات. ودعا الدكتور يوسف.الي تنظيم بيت الزكاة. من خلال إنشاء بيت مركزي للزكاة في القاهرة علي أن يتبعه بيوت للزكاة فرعية في كل مدينة. والتي يتبعها أيضاً بيوت للزكاة في كافة المناطق. التبعية للدولة يؤكد أستاذ الاقتصاد الإسلامي الدكتور حسين شحاتة أن الأصل أن تكون تبعية مؤسسة الزكاة للدولة. لأن الله سبحانه وتعالي قد أمر رسوله صلي الله عليه وسلم بجمع وتوزيع الزكاة. كما أنه سبحانه وتعالي لم يترك أمر توزيع الزكاة لنبي أو لرسول أو لأمر حاكم بل حددها سبحانه وتعالي في الآية الكريمة: ¢ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمى حَكِيمى ¢ سورة التوبة 60. وتأسيساً علي ذلك يعتبر ولي الأمر أو الحاكم مسئولاً عن أمر تحصيل وتوزيع الزكاة حسب مصارفها الشرعية. ورجح الدكتور حسين شحاته. ضرورة فصل حصيلة الزكاة عن موارد الدولة الأخري. إذ أنه من الأفضل أن تكون مؤسسة الزكاة هيئة مستقلة تتبع ولي الأمر إشرافاً فقط. ونظراً لأن الزكاة محلية حيث يتم توزيعها في البلد التي تم جمعها منها لذلك يجب أن يتم إنشاء فروع لمؤسسة للزكاة في كل وحدة جغرافية داخل المجتمع. بمعني أن يتم إنشاء فرع لمؤسسة الزكاة بكل منطقة يختص بجمع وتوزيع الزكاة الخاصة. كذلك يتم إنشاء فرع لمؤسسة الزكاة بكل مدينة يختص بجمع وتوزيع الزكاة بالمدينة. ويقوم بالإشراف علي فروع مؤسسات الزكاة بالقري التابعة لها. وكذلك يتم إنشاء فرع لمؤسسات الزكاة بكل محافظة يختص بجمع وتوزيع الزكاة داخل المحافظة ويشرف علي فروع مؤسسات الزكاة بالمدن. وتشرف مؤسسة الزكاة الرئيسية علي فروع مؤسسات الزكاة بالمحافظات والمدن والقري وهكذا. ويستعرض الدكتور شحاته. آراء بعض العلماء في مخاطر تبعية مؤسسات الزكاة المعاصرة للدولة من ناحية التحفظ علي تبعية مؤسسات الزكاة للدولة ولا سيما في ظل بعض الحكومات العلمانية.