مرحلة الوهن والشيبة: تؤذن تلك المرحلة بوهن العظم. وشيب الرأس. وانعطاف القوي وتوقُّف الحيض. وهي تبدأ من الناحية العلمية من سن 45. وتنتهي عند سن 65. وهنا يتمني الإنسان أن يعود الشباب الذي هو في الحقيقة قد ذهب. لتأتي بعده مرحلة الشيخوخة التي يظهر فيها جليًّا مرحلة التنكيس في الخلق. وتعرف الشيخوخة علي أنها حالة متدرجة لا مَفرَّ منها من التدهور"Deterioration" والانهيار "Decline". تصيب كافة الأجهزة والأعضاء والخلايا. فتضعُف قدرتها علي التكيف والحفاظ علي التوازن عند التعرض للضغوط. ويمر بها كل كائن حي عند الهرم. وفقًا لمدي عمره الزمني. إنها حالة تدمير ذاتي مقدر "Phenoptosis". والشيخوخة ليست حالة مرضية. وإنما هي مرحلة تكثر فيها الأمراض. وحينئذ تصبح شيخوخة مرضية "Senility" يختص بدراستها علم الشيخوخة "Gerontology". وترد إشارات عدة في القرآن الكريم عن تلك المرحلة من العمر. نذكر منها: "قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا "مريم: 4". "ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةي ضَعْفًا وَشَيْبَةً "الروم: 54". "قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّي يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخى كَبِيرى "القصص: 23". "قَالَتْ يَا وَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزى وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا "هود: 72". "قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ "يوسف: 78". "ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا "غافر: 67". 4- مرحلة الشيخوخة المتأخرة "Old age": تبدأ تلك المرحلة من بعد سن 65. وتشهد انكاسا في الخلق وردة إلي أرذل العُمر. وقد وصفها القرآن وصفًا دقيقًا في قوله تعالي: "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَي أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمي شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمى قَدِيرى "النحل: 70". منطق قرآني وإعجاز علمي: عناصر القضية المنطقية: 1- بما أن الإنسان مخلوق من النطفة الأمشاج ومقدَّر في النطفة بدليل قوله تعالي: "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةي أَمْشَاجي نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا "الإنسان: 2". "مِنْ نُطْفَةي خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ "عبس: 19". 2- وبما أن التنكيس مع العمر مصاحب للخلق بدليل قوله تعالي: "وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ "يس: 68". إذًا التنكيس مع العمر مسجل في النطفة الأمشاج. وحيث إن الصبغيات "الكروموزومات" من الخلائط» أي: الأمشاج. فمن المنطقي أن تكون شفرة التنكيس مسجلة في النطفة الأمشاج البشرية. وجه الإعجاز: اتفاق العلم مع القضية المشتق عناصرها من النص القرآني. توصل العلم إلي أن الشيخوخة هي أمر مبرمج. وعلي أعلي وأرفع مستويات البرمجة» وذلك لأنها تمس الحامض النووي DNA"". وقد اتضح أن الصبغيات الخلوية "الكروموزومات" تتناقص في طولها» أي: تفقد جزءًا من المادة الوراثية الموجودة علي طرفي الصبغي. ويتم ذلك بشكل مبرمج "منتظم". وخلال عملية تضاعف المادة الوراثية التي تسبق انقسام الخلية. وينقص الصبغي من طوله ما يعادل 50 إلي مائة جزيء قاعدي من طرفيه في كل مرة يتضاعف فيها "الدنا DNA" ومن المعتقد حاليًّا أن الخلايا مع تقدُّم العمر "ومَنْ نُعَمِّرْهُ". ونتيجة لعملية التقصير في "الدنا DNA" تشيخ وتموت "نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ". وهذا ما يسميه العلماء بالموت المبرمج للخلية. ويذكر الدكتور محمد دودح تفصيلاً لبرنامج التنكيس في الخلق» حيث يشير إلي توصُّل العلماء إلي اكتشاف العلاقة بين شيخوخة الخلية. وتناقص طول الغطاء الطرفي في الخلايا. حينما اكتشف جريدر "Greider" وبلاكبورن "Blackburn" الإنزيم الباني للغطاء الطرفي "Telomerase" عام 1985م. وكان هوارد كوك أول من ربط بين شيخوخة الخلية. وفقْد جزء من طول الغطاء الطرفي. وقد شُوهِد أن عملية ¢التقصير¢ تكون موجودة في خلايا المسنين مقارنة بحديثي الولادة. وقد وجد أيضًا أن خلايا السرطان - "وهي خلايا تنقسم باستمرار ودون توقُّف" - تمتلك نشاطًا عاليًا لإنزيم التيلوميراز.