التفسير العلمي ضرورة أساسية لفَهم جميع آيات القرآن التي تتحدث عن آفاق الكون. وخبايا الكائنات والنفس البشرية. ومِن ثَمَّ فقد عجبت عجبًا شديدًا من معارضي التفسير العلمي للقرآن الكريم إن الحرف ¢كيف¢ الذي ورد في القرآن 83 مرة. يشير في عشرات المواضع إلي استخدام وسائل الإدراك والعلم في معرفة كيف خلقت ظواهر الكون المختلفة. كيف يفهم المسلم الكثير من آيات الله دون التفسير العلمي لها؟ خُذ علي ذلك مثالاً أمثلة أخري: والمثال هو كيف نفهم قول الله عز وجل "أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَي الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَي السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَي الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَي الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ" "الغاشية: 17 - 20". قد يقول قائل يكفي النظر بالعين؟ نقول نعم يكفي بشرط ألا يكون هناك أي طريق للإدراك غير العين. ومن المؤكد أن طالب كلية الطب البيطري. وطالب قسم علم الحيوان. سيكون عنده فَهْم لآية "أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَي الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" أعمق من فَهْم آلاف الناس ممن لا علمَ لهم عن. وكذا الحال مع آية رفع السماء» حيث يحتاج فَهمها إلي دارس علم الفلك أكثر من الشعراء الذين يُحلقون في جمال زرقة السماء. إن فَهم طريقة نصب الجبال تحتاج من دارس علم الأرض إلي الإلمام الكافي بحوالي نصف دستة من علوم الأرض المختلفة. ولعل قائل يقول: كل شيء كان هينًا. وقد فهم العرب الخُلَّص حقيقة الآيات السابقة دون حاجتهم إلي علوم اليوم. نقول: حتي هؤلاء العرب كان الأكثر فهمًا للآيات هم الأكثر دراية بعلم عصرهم. وأن الآية باقية مع بقاء النص القرآني المحفوظ. ولن يفهم كمال مراد الله للآيات السابق ذكرها إلا مَن درس علوم الأحياء والكون والأرض. وقِس علي ذلك جميع الآيات التي تتحدث عن الفلك والطب والجيولوجيا وغيرها من العلوم التجريبية وأستطيع أن أعرض مئات الأمثلة التي تدل علي حتمية التفسير العلمي لآيات الكون والنفس في القرآن الكريم ولعل قائلا يقول: إن العلم متغير والنص القرآني خالد. وليس من الحكمة أن نفسِّر الثابت بالمتغير وهذا كلام لا بأس به. ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن حقائق العلم متطورة. وأن القرآن وهو علم الله يحيط بجميع العلم. ومِن ثَمَّ فالقرآن يحتوي علي تطور العلوم عبر كل الزمان وكل المكان وكل العقول. ألم نقول من قبل: إن القرآن يقود والعلم يقاد. وأن غاية شرف العلم أن بثبت نفسه في القرآن. والحقيقة أنه لا ولن توجد أزمة إطلاقًا بين النص العلمي الصحيح والنص القرآني المقدس. وإذا كان القرآن يحوي أكثر من ألف آية تتحدث عن الكونيات وكافة العلوم التجريبية» فإن من الحكمة إلقاء الضوء علي إشارات القرآن العلمية» ليطمئن قلب المؤمن. وليقام الدليل علي جحود الكافر. وليصحح العلم مسارة» ليكون نافعًا للبشرية وعمارة الكون. ولا يمكن للمسلمين أن يتعاملوا مع القرآن كمثل اليهود الذين تعاملوا مع التوراة تعاملاً غير لائق» كما وصفهم الله في قوله تعالي: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" "الجمعة: 5". بل سيكون تعامُلنا مع القرآن كما تعامل أبينا إبراهيم عليه السلام مع ملكوت السموات في قول الحق تبارك وتعالي: "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَي كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَي الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَي الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءى مِمَّا تُشْرِكُونَ " "الأنعام: 75 - 78". وستكون محاولتنا في البحث عن العلم في القرآن مدخلاً لاطمئنان الإيمان في قلوبنا. وذلك اقتداءً بأبينا إبراهيم أيضًا حينما قال: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَي قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَي وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَي كُلِّ جَبَلي مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزى حَكِيمى" "البقرة: 260".