القرآن الكريم كتاب الله عز وجل أنزله علي رسوله محمد "صلي الله عليه وسلم" ليكون منهج حياة ومنارة هدي تستنير به البشرية. وأمرنا الله عز وجل بقراءته وتدبر آياته والعمل بأحكامه والاهتداء بعطائه الإيماني: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" سورة ص "29". ولقد كان رسول الله "صلي الله عليه وسلم" المثل الأعلي في تطبيق منهج الله عز وجل والالتزام بما جاء في كتابه الكريم من أحكام وقيم إيمانية فكان "قرآنا يمشي علي الأرض" كما تقول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالي عنها. وسار صحابة رسول الله "صلي الله عليه وسلم" علي نهجه وترسموا خطاه فكانوا هم المؤمنين حقاً فقد أعطوا نماذج لمواقف إيمانية ينبغي علينا أن نستحضرها لنستمد منها المدد والعون والعطاء الإيماني الذي نستعين به في شئون حياتنا. ونواجه به معارك الحياة المختلفة بكل حزم وعزم وثبات وإقدام. ومن هذه المواقف الإيمانية ما يرتبط بأحداث إسلامية كان لها أثرها القوي في مسيرة الدعوة الإسلامية. وقد سجل الله عز وجل في كتابه الكريم هذه المواقف في كثير من آياته ولا يمكن فهم هذه الآيات التي سجلت هذه المواقف الإيمانية الرائعة إلا بمعرفة أسباب نزولها. فالقرآن الكريم نزل علي رسول الله "صلي الله عليه وسلم" منجماً في ثلاث وعشرين سنة حسب المواقف والأحداث تثبيتاً لفؤاد رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وترسيخاً لعقيدة التوحيد في قلوب المؤمنين. ومن هذه الآيات التي جاءت لتسجل مواقف إيمانية يجب علي الأمة الإسلامية استلهام عطائها الإيماني قول الله عز وجل: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ہ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم" آل عمران "173 - 174" نزلت هذه الآيات البينات علي رسول الله "صلي الله عليه وسلم" في غزوة بدر الآخرة التي توعد بها أبوسفيان بن حرب رسول الله "صلي الله عليه وسلم" والمسلمين عقد غزوة أحد التي ألمت الهزيمة فيها بالمسلمين نتيجة مخالفة الرماة أوامر رسول الله "صلي الله عليه وسلم" بترك أماكنهم والانكباب علي جمع الغنائم عندما رأوا غلبة جيش المسلمين وفرار جيش المشركين في أول المعركة فاستغل خالد بن الوليد ترك الرماة لأماكنهم وفاجأ المسلمين من خلفهم فاضطربت صفوفهم وكانت الهزيمة. وعند ذلك قال أبوسفيان مخاطباً رسول الله "صلي الله عليه وسلم" والمسلمين: إن موعدنا بدر العام القابل. فقال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" لرجل من أصحابه: "قل: نعم هو بيننا موعد". وفي شعبان من السنة الرابعة من الهجرة كان موعد أبي سفيان قد حل ولكن المشركين قد تراجعوا عن لقاء المسلمين مرة أخري حول بدر خوفاً من عواقب هذا اللقاء. ولما حل بهم من جدب. ولم يتمكن أبوسفيان من الوفاء بوعده فأراد أن يخذل المسلمين مخافة أن يوصف بخلف الوعد فاستأجر نعيم بن مسعود الأشجعي وأمره أن يأتي المدينة ويشيع فيها أن قريشاً قد جمعت جموعها. واستعدت علي رسول الله وأصحابه قبائل العرب وأنهم آتوه ومحاربوه وقاضون علي دعوته. وقدم نعيم المدينة وأخذ يبث الإشاعات والأراجيف المثبطة للعزائم الموهنة للإرادات وهو ما يعرف اليوم بالحرب النفسية. ولكن هذه الإشاعات لم تزد المؤمنين إلا إيماناً وثباتاً وقوة وعزيمة وسجل الله هذا الموقف الإيماني قائلاً: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" آل عمران "173". إن معرفة أسباب نزول هذه الآيات البينات وما ارتبط بها من أحداث تعين علي فهمها فهماً صحيحاً واستثمار عطائها الإيماني فهي تغرس في نفوس المسلمين روح الإقدام واقتحام معارك الحياة المختلفة دون تخاذل أو خوف أو تردد. وعدم الخضوع للمثبطات النفسية التي تأتي نتيجة الإشاعات المغرضة فتعمل علي ضعف الإرادة وزعزعة الاستقرار النفسي داخل الفرد. فتنهار قوة المجتمع ويتراجع أفراداً وجماعات عن الوصول لأهدافه حتي وإن كان فيها صالحه وخيره ومنفعته.