وَآيَةى لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ يس:37 أولا- السبق القرآني:تشير ثلاث آيات قرآنية إلي ظاهرة ظلام الكون التي لم يكتشفها العلم إلا مع غزو الإنسان للفضاء في نهاية الستينات من القرن العشرين. وتلك الآيات هي قول الحق تعالي 1- "فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" الأنعام:96 2- "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَاسُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمى مَّسْحُورُونَ" الحجر:14-15 3- "وَآيَةى لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ" يس:37 4- "أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا*رَفَعَ سَمْكَهَافَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَاوَأَخْرَجَ ضُحَاهَا" النازعات:27-29 5- "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْل تَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتي لِّقَوْمي يَسْمَعُون"َ يونس:67 مختصر أقوال المفسرين: 1- المعني في الآية الأولي:أن الله خالق الضياء والظلام. و شاق الضياء عن الظلام وكاشفه. فهو سبحانه يفلق ظلام الليل عن غرة الصباح فيضيء الوجود. ويستنير الأفق. ويضمحل الظلام. ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه. ويجيء النهار بضيائه وإشراقه. ولننظر إلي ما قاله عبد الكريم الخطيب في كتابه إعجاز القرآن ليتأكد لنا أن ظلمة الكون هي الأصل وأن ضوء النهار هو الطارئ. يقول الخطيب:والسؤال: لماذا لم يأت النظم علي وجه واحد:فالق الإصباح و"جاعل" الليل سكنا. أو:"فلق" الإصباح وجعل الليل سكنا؟ والجواب أن فالق:التعبير باسم الفاعل. دلالة علي التجدد والاستمرار فهو إصباح يتولد كل يوم. أما جعل:فإن التعبير بالفعل يدل علي أن هذا الأمر المتولد عنه قد وجد علي الوضع الذي أوجده الله سبحانه عليه. فلا تجدد أو تبدد بل الدلالة علي وجود الشئ علي الصورة التي وجد عليها. ويضيف بأن ذلك إشارة إلي أن الليل هو الأساس وأن الصبح طارئ. مؤكدا الحقيقة العلمية في ظلام الكون. والفلق لا يكون إلا عن ولادة جديدة وحياة. بينما جعل فعل جامد وصيرورة مغلقة. لا شئ بعد الحدث الذي يجئ من إحداث الفعل. "جعل": هكذا لا معقبات له. ليل وسكون وهمود. 2- في سورة هود يخبر تعالي عن قوة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق حتي أنه لو فتح لهم بابا من السماء فجعلوا يصعدون فيه لما صدقوا بذلك بل قالوا:"إِنَّمَاسُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا". قال مجاهد والضحاك:سدت أبصارن. وقال قتادة عن ابن عباس: أخذت أبصارنا. وقال العوفي عن ابن عباس:شبه علينا وإنما سحرنا. وقال الكلبي: وغطيت وغشيت وعميت أبصارنا. وقيل منعت. وقيل سدت. وقيل غشيهم ما غطي أبصارهم كما غشي السكران ما غطي عقله. وخلاصة ما قاله المفسرون أنه لو كشف لمشركي قريش حتي يعاينوا أبوابا في السماء يصعدون فيها عروجا لمنعت أبصارهم. تري هل سكرت أبصار رواد الفضاء بعد عروجهم في السماء؟ لو كانت الإجابة بنعم» لكان هذا إعجازا علميا للقرآن الكريم. 3- أما عن سلخ النهار من الليل الذي أشار إليه قوله تعالي "وَآيَةى لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ" ذكر ابن كثير:أي نصرمه منه فيذهب فيقبل الليل. ولهذا قال تبارك وتعالي: "فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ". وقد أشار القرطبي إلي معلومة هامة في تفسير: "مُّظْلِمُونَ" لم يدركها العلماء إلا بعد ارتياد الفضاء» فذكر:أي في ظلمة» لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضي» فإذا خرج منه أظلم. رحم اله القرطبي الذي أدرك بفهمه أن النور المرئي للعيان غير موجود إلا في غلاف الأرض. أما ما عداه فمظلم. وأضاف رحمه الله بأن السلخ هو الكشط و النزع» يقال: سلخه الله من دينه. ثم تستعمل بمعني الإخراج. وقد جعل ذهاب الضوء ومجيء الظلمة كالسلخ من الشيء وظهور المسلوخ فهي استعارة. والواقع أن الأستعارة قد فهمت علي حقيقتها بعد ارتياد الفضاء اليوم» كما سنري بعد قليل. ويقول سيد قطب في ظلال القرآن:أن الآية تعبير فريد حين نتصور الأمر علي حقيقته. فالأرض الكروية في دورتها حول نفسها في مواجهة الشمس تمر كل نقطة منها بالشمس» فإذا هذه النقطة نهار» حتي إذا دارت الأرض وانزوت تلك النقطة عن الشمس. انسلخ منها النهار ولفها الظلام. 4- إغطاش ليل السماء:في قوله تعالي:"وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا" وردت الآية في سياق وصف السماء فقال الله "وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا" أي جعله مظلما حالك السواد.