التاريخ هو ذاكرة الأمة المكتوبة.. وبقدر حسن قراءة الأمة لتاريخها والاستفادة من أخطاء الماضي تكون نهضتها في حاضرها ومستقبلها.. وقد تعرض التاريخ الإسلامي لمحاولات عديدة للتشويه ليس من قبل الأعداء والمستشرقين فقط. بل من بعض التغريبيين والعلمانيين الذين ينتسبون للإسلام اسماً وهذه الحقيقة أخطر عليه من اعدائه الظاهرين. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق عن كتابة التاريخ الإسلامي وما يجب فيها وملاحظة المؤرخين المعاصرين عليها.. فماذا قالوا؟.. في البداية قال الدكتور سعد الحلواني أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأزهر: يقدم الباحثون والمؤرخون التاريخ علي حسب ما يتاح لهم من مصادر ومعلومات تتناقلها الأجيال عبر أوراق خلال آلاف السنين وهذه المعلومات يتم تنقيتها وبحثها جيداً. لكن هذا لا ينفي وجود أخطاء وعيوب في بعض الروايات التاريخية. لأن كل إنسان يروي الحدث وينقله حسب رؤيته وتوجهه فلو أن معركة المعارك وقعت في حقبة تاريخية شعبية ورأي المؤرخ القتل يميناً ويساراً وفي كل جانب وأوضح أن قتلي هذه المعركة يقدرون بمائة ألف قتيل.. لكننا لوقمنا بحصرهم حقيقة لن يتعدي عددهم الألف قتيل.. كما أن كل إنسان لا يستطيع أن يعصم نفسه من ميوله وهواه عند نقل الحدث وما يحدث في بلادنا هذه الأيام خير دليل علي ذلك. فلكل إنسان رأيه فيما يري وليس هذا فحسب للأسف المعارض يحاول تشويه الآخر.. لكن مع كل ذلك تبقي كتابات علماء الأزهر هي الضمان الوحيد وهم الاكثر ثقة في الموجودين لكنهم في النهاية بشر قد يخطئون وقد ينحازون لجهة معينة.. لكن الأقل يقومون بجمع الهوايات وتقييدها وبحثها جيداً للتنسيق بينها. ميزان الدقة أوضح الدكتور عبدالفتاح عبدالغني أستاذ ورئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في حقيقة الأمر لا توجد شوائب ولا مغالطات تشوب كتب التاريخ الإسلامي خاصة المتمثل منها في حياة النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء والسلف الصالح فهذه الكتب نقلت وأرخت بموازين من ذهب ولم يشوبها شائبة فقد أعتمدت في معظمها علي النقل الصحيح والدقيق وذلك بخلاف التاريخ العام والأحداث العامة فالمؤرخ هناك يعني بضبط الوقت ولا بصدق الحدث من عدمه لذا تم تشويه هذا التاريخ في بعض جوانبه إنما حادث الهجرة نقل كما هو ويدرس كما هو لكن أبدي تحفظي عليه هو عدم الانتفاع بما جاء في كتب السيرة لأن الأمة لو وعت جيداً ما سرد في هذه الكتب القيمة لنهضت وتقدمت وهذا ما يتحتم علي الناقل إبرازه حتي تنتفع بها الأمة وتتحقق الثمرة المرجوة. وأضاف: أن الأهمية الكبري لهجرة النبي صلي الله عليه وسلم وما أحدثته من تغيير مجري زمان وتاريخ الأمة الإسلامية هي ما دعت عمر بن الخطاب التأريخ للدولة الإسلامية بهجرة النبي لكن عندما تأتي مناسبة الهجرة النبوية الشريفة تجد الخطباء في المساجد والعلماء في الفضائيات يتحدثون بأن حدث بها كذا وكذا دون ابراز المنافع التي تعود علي الناس ودون الالتفات للعبرة المرجوة منها فتمر كأي مناسبة أخري وهذا ما نطالب به هو عرض الأحداث التاريخية بطريقة جذابة وشيقة وتوظيفها لحل مشكلاتنا المعاصرة. واستطرد: لا يمكن انكار أنه في بعض التواريخ المتأخرة قد وقعت بعض المغالطات ونشرت بعض الأكاذيب المفتراة والتي تشوه الإسلام علي سبيل المثال ما كتب عن الدولة العباسية من أكاذيب لا حصر لها ولا علاقة لها بالحقيقة خاصة فيما يتعلق بهارون الرشيد والذي وصف زوراً وبهتاناً بأنه كان مشغولاً بالجري وراء ملذاته وتحقيق رغباته وهذا ما استغله المستشرقون لتوجيه انتقاد شديد للإسلام ورموزه وللأسف هذا التاريخ المشوه كتب بأقلام بعض المسلمين وهذا ما يتعين علينا تحقيقه أما بفضل الله تعالي أن هذه المغالطات لم تمس كتب السيرة. وأشار الدكتور الحلواني إلي أن أوربا ما عرفت نور العلم وما تقدمت الا بفضل فكر وتراث علماء المسلمين أمثال الفارابي وابن الهيثم وابن سيناء وغيرهم من علماء المسلمين الذين أثروا البشرية كلها لكن للأسف الشديد أبناؤنا لا يعرفون شيئاً عن تاريخ أجدادهم فالعيب فينا نحن المتأخرون وياحبذا لو وضعت هذه الشخصيات كنماذج مضيئة يستنير بها شبابنا المستقبل فالاصلاح يتحقق إلا بتحميل العلم ومعرفة تاريخنا الإسلامي جيداً. روايات مغلوطة وأكد الدكتور المحمدي عبدالرحمن أستاذ الدعوة ووكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة أن التاريخ الإسلامي يعتمد علي الروايات فلان روي لفلان ما سمعه وما رأه والروايات منها الصحيح ومنها الضعيف والروايات الضعيفة لم يؤكدها المؤرخون كرواية نسج العنكبوت لخيوطه علي الغار وقت هجرة النبي وصاحبه فهذه رواية ضعيفة كذلك الحمامتان لم يؤكد التقاء حدوثها.. كذلك المداحون الذين يستخدمون السيرة في المدح في الموالد والمناسبات المختلفة ويحكوا قصصاً ومواقف لم يتحروا دقة حدوثها فرغم أن الهدف جيد إلا أن عدم التأكد من الدقة شئ يقلقنا لما يترتب علي ذلك من تشويه للحقائق وليس هؤلاء فحسب فهناك بعض الوعاظ والخطباء الذين يستميلون الجماهير بقصص وروايات غير صحيحة هدفهم الاساسي جذب الناس. وأضاف: للأسف الشديد هناك كتب تاريخية كثيرة تحتاج لتنقية وغربلة وتصحيح مابها من أخطأ وهذه مهمة تقع علي عاتق رجال الأزهر لأن الأخطاء وصلت لأمهات الكتب وهذا شئ معلوم للجميع حيث كان قديماً يستطيع الناس التفرقة بين القصص الحقيقية والمغلوطة أما اليوم فاختلط الحابل بالنابل وصارت تردد القصص المغلوطة علي أنها حقيقية وصحيحة. وهذا ما استشعره الأزهر ودفعه للقيام بتنقية كتب التراث من الإسرائيليات وأطلق علي هذا المشروع الضخم "كتاب الدخيل" حيث أصبح مقرراً علي باحث الماجستير والدكتوراه أن يعمل تحقيقاً في كتب التراث كل في تخصصه من الدخيل عليها وبالفعل تم بفضل الله تعالي تنقية كتب التراث لكن المشكلة الكبري أن هذه الكتب القيمة جبيسة الأدراج ولا يعلم أحد عنها شيئاً إلا المتخصصون.. لذا أناشد لا رجال الاعمال المخلصين أن يقوموا بنشر هذه الكتب لتصبح في متناول الجميع ليصحح به المفاهيم المغلوطة ويرد علي القصص المفتري بها علي التاريخ الإسلامي وحتي لا يضيع جهد الأزهر هباء. وقام الدكتور المحمدي بسرد بعض القصص الكاذبة التي تنشر في كتب التاريخ وتروج علي انها صحيحة وحقيقية مثل قصة زواج النبي صلي الله عليه وسلم من أم المؤمنين زينب بنت جحش وحكايتها انه قبل أن يحرم الله عزوجل التبني وقعت حرب بين قبيلة زيد بن حارثة وقبيلة أخري فوقع زيد بن حارثة أسيراً فقامت بشرائه أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها وظل في بيت رسول الله حتي جاء أهله يأخذونه معرض فخيره النبي إن كان يرغب في الرحيل مع أهله أو في البقاء معه ففضل النبي علي أههل ومكث معهم وتبناه النبي صلي الله عليه وسلم وأطلق عليه زيد بن محمد وأراد النبي أن يزوجه لزينب بنت جحش وهي من اغنياء قريش ومن أقارب النبي فرفضت وأخاه عبدالله الزواج من زيد ابن حارثة فنزل قول الله تعالي "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم". الأحزاب آية 36.. فتزوجته بعد الآية الكريمة لكنها كانت تسئ معاملته فكان يشكوها للنبي وكان يأمره النبي بالصبر وتقوي الله.. لكن بعد فترة من الزمن طلقها زيد وللأسف الشديد تنشر احدي كتب التاريخ قصة مغلوطة بسبب تطليق زيد لها وزواج النبي منها حيث قالت إحدي هذه الكتب إن النبي ذهب للسؤال عن زيد ولم يجده ووجد زوجته فكشفت عن رجليها فوقع في قلب النبي حبها وطلب من زيد أن يطلقها ليتزوجها هو وهذه قصة مغلوطة تماماً ومفتراة علي النبي لكنها موجودة بدلاً من أن تمحي وتدرس ويقرأها الناس وهذه هي الطامة الكبري أن تسمح بتواجدها وغيرها من القصص الكاذبة والكتب المتداولة.