خليل الرحمن إبرهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء بشره الله عز وجل بأن جعله للناس إماما وأتم له الكلمات التي ابتلاه بها قال تعالي "وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" البقرة الآية 124 وميزه الله عز وجل بدعوته الحكيمة التي وافقت سنن الله في خلقه. وشرفه سبحانه وتعالي في بيته الحرام ومع ولده إسماعيل وتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود فقال تعالي :"وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" البقرة الآية 125. والذي يقف علي سيرة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام كما جاءت في القرآن الكريم يجد أنه كان حريصاً علي أن تظل الدعوة إلي الله عزوجل في ذريته إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها وهذا واضح من قول الله عزوجل: "قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" ومن قوله تعالي علي لسان إبراهيم عليه السلام رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء" سورة إبراهيم الآية 40. ومن باب حرص إبراهيم علي ذريته كانت دعواته التي سجلها الله عزوجل في كتابه الكريم والتي كانت بركة أفاض بها الله عزوجل علي البيت وساكنيه حتي صار مهوي القلوب وملاذ النفوس تقبل عليه جموع الحجاج من كل فج عميق في شوق ولهفة ذاكرين الله عزوجل مبتهلين إليه ملبين دعوة ونداء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي أمره الله عزوجل بالآذان في الناس بالحج قائلاً :"وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم" الحج الآية 2728. ومن الآيات الكريمة التي تضرع فيها إبراهيم عليه السلام إلي الله عزوجل قوله "ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" إبراهيم الآية 37 ونحن نجد في الآية الكريمة دعوة مخلصة من أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام أن يحفظ الله عزوجل ذريته التي وضعها بين يدي رحمته وفي كنفه وبجوار بيته الحرام ونحن عندما نقرأ هذه الآية الكريمة تتجلي لنا حقيقة إن نبي الله إبراهيم عليه السلام كان ملبيا لأوامر الله عزوجل ممتثلا لما دعاه الله إليه حتي وصفه الله عزوجل بقوله "وإبراهيم الذي وفي" النجم الآية 37 فقد أمر من قبل الله بحمل ابنه الرضيع إسماعيل وزوجه هاجر ووضعها في هذا الوادي المقفر الموحش فلم يتردد ولم يتوان بل لبي أمر الله وقام علي الفور بتنفيذ ما أمره الله بد وإذا كانت كتب التفاسير وكثير من كتب السيرة تذكر أن إبراهيم عليه السلام قام بحمل ابنه الرضيع وأمه هاجر وابنها فإن الذي يطمئن إليه القلب ويؤيده النص القرآني هو أن إبراهيم عليه السلام قام بذلك بناء علي أمر من الله عزوجل ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالي فلفظة "أسكنت" التي جاءت في الآية الكريمة دلالة واضحة علي أن إبراهيم عليه السلام وضع ابنه وزوجته في هذا الوادي للسكني وليس للخلاص منهما. وكذلك قوله "عند بيتك المحرم" فهذا الوصف للبيت فيه دلالة علي أن المكان الذي وضع فيه إبراهيم ابنه وزوجته هاجر مكان له قدسيته عند الله عزوجل فهو بيت الله المحرم ومن يسكن بجوار بيت الله عزوجل فهو في كنفه وفي حفظه ومشمول بعنايته. وتعليل إبراهيم عليه السلام لوضع ابنه الرضيع وزوجه هاجر في هذا المكان والذي جاء في قوله "ليقيموا الصلاة" دليل آخر علي أن إبراهيم عليه السلام كان علي يقين صادق وإيمان قوي علي أن الله سيحفظ ابنه وزوجه وأن هذه الذرية الصالحة ستعمر هذا المكان وستقوم بعبادة الله عز وجل وحده لا شريك له فوضع إبراهيم عليه السلام ابنه الرضيع وأمه عند البيت الحرام كان لغاية عظيمة أرادها الله عزوجل وهي إقامة الصلاة وعبادة الله وحده في هذه البقعة المباركة من بقاع العالم. ونحن ننأي بسارة زوج إبراهيم عليه السلام عن هذه الغيرة المؤذية فكل ما يروي عن السيدة سارة يدل علي أنها كانت زوجة تقية صالحة وفية لزوجها شاركته مسيرة الدعوة إلي الله عز وجل ولم تتخل عنه في أي لحظة من لحظات حياتها. البيت الحرام. والبيت المعمور