بدأت السورة الكريمة في القرآن الكريم سورة الحج بالحديث عن أهوال القيامة وأحوال الناس فيها ولم تبدأ بالحديث عن الحج وأحكامه والبيت وأحوال بنائه.. وربما يسأل سائل لماذا بدأت السورة بهذه البداية.. والحكمة من ابتداء السورة الكريمة بالحديث عن القيامة وأهوالها يرجع إلي ما يأتي: 1 إن السورة الكريمة بدأت بالحديث عن أهوال يوم القيامة وأحوال الناس فيه لأن الحج ومناسكه ومشهد الحجيج فوق عرفات من أقرب المشاهد التي يكون الناس عليها يوم القيامة. فالناس يوم القيامة يقفون جميعا في آن واحد في صعيد واحد في أرض المحشر. والحجيج يأتون من كل فج عميق إلي بيت الله الحرام ويجتمعون جميعا في عرفات في آن واحد وفي صعيد واحد هو صعيد عرفات فكأن الله يريد أن يحج الناس بعقولهم قبل أن يحجوا بأجسادهم فيعيشون مع المشهد الأكبر والموقف الأعظم وهو مشهد يوم القيامة قبل وقوفهم بعرفات. 2 الصورة التي يكون الناس عليها يوم القيامة والتي بينها رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله: "إنكم تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلي بعض؟. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا عائشة إن الأمر أشد أن يهمهم ذلك" رواه الشيخان . هذه الصورة أشبه ما تكون بصورة الحاج المحرم الواقف فوق عرفات من حيث التجرد من المخيط وهو رمز للتجرد من الدنيا ومتاعها الزائل. والبعد عن المظاهر الدنيوية التي يتميز بها شخص عن آخر. فلا تفاخر ولا تعالي بل الكل سواء عند الله عز وجل لا فضل لعربي علي أعجمي ولا لأبيض علي أسود إلا بالتقوي. 3 الناس يوم القيامة الكل يضرع إلي الله عز وجل والكل يدعو الله تعالي يرجو رحمته ويخشي عذابه. وهذه الحالة هي نفس الحالة التي يكون عليها الحجيج فوق عرفات. فالكل يدعو والكل يضرع إلي الله عز وجل أن يغفر ذنوبه وأن يستر عيوبه. والكل يرجو رحمة الله ويتطلع إلي عفوه ومغفرته فالكل في المشهدين في موقف الطالب المتذلل الراجي رحمة الله عز وجل. ومن هنا كان بدء السورة بالحديث عن القيامة وأهوالها. 4 الناس يوم القيامة يذهلون عن ذويهم وينشغلون عن أقرب الناس إليهم وينسون الدنيا فهي في جانب الآخرة لا تساوي شيئا وأغلب الحجاج إن لم يكن جميعهم ينسون أهليهم وذويهم بل ان أغلبهم يغيبون عن دنياهم ويعيشون مع الله عز وجل عندما يقفون في عرفات في هذا المشهد المهيب الذي يأخذ بالألباب ويجتذب إليه القلوب ويستحوذ علي النفوس. 5 جميع الخلق يوم القيامة يقرون بذنوبهم وآثامهم فلا كذب ولا تمويه ولا تدليس ولا خداع "يوم تُبلي السرائر" الطارق الآية "9" لكن إقرار واعتراف للرب بما جنت يد الإنسان "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه" النبأ آية "40" وهذا هو حال الحجيج فوق عرفات. الكل معترف بذنبه مقر بخطئه وقد قيل: إن عرفات سميت بذلك لاعتراف الناس فوقها بذنوبهم لله عز وجل. ومن هنا كان حديث السورة الكريمة في أول آياتها عن الربوبية والساعة وأهوالها وأحوال الناس فيها وأدلة البعث بعد الموت ثم بعد ذلك ومن الآية "25" أخذت السورة الكريمة تتحدث عن البيت الحرام ووعيد الله عز وجل لمن يأتي فيه بظلم. وعن أذان نبي الله إبراهيم في الناس بالحج بناء علي أمر من الله عز وجل حيث يقول تعالي: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام" الحج "27. 28" وغيرها من معان وأحكام سامية وأخلاق عالية اشتملت عليها السورة الكريمة.