منذ أن دخلت مصر في الإسلام بدأت عصراً من النهوض والإحياء. بعد القهر الإغريقي الروماني الذي استمر عشرة قرون - من الإسكندر الأكبر "356-324ق.م" في القرن الرابع قبل الميلاد. وحتي هرقل "610-641م" في القرن السابع للميلاد.. أحياها الإسلام فاستأنفت مسيرتها الحضارية. وتبوأت مكانتها القيادية في المحيط الإسلامي. وأعطت للفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية العطاء الذي وصلت به حاضرها الإسلامي بتراثها الحضاري القديم. فكان أن امتلكت المجد الديني والحضاري من طرفيه. ففيها بشر سيدنا إدريس عليه السلام بالتوحيد. وعلم الناس علوم المدينة والتمدن منذ فجر الإنسانية علي عهد آدم عليه السلام. وفيها ارتفعت رايات التوحيد الذي جاء به خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله - صلي الله عليه وسلم. ولمكانة مصر هذه في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية خصها أعلام المؤرخين في مؤلفاتهم بالحديث عن فضائلها التي استأثرت بها علي سائر البلدان.. ومن هؤلاء المؤرخين المقريزي وغيره. وإذا كان هذا التراث في فضائل مصر هو مما يجب التعريف به. وتدريسه لأبنائنا وبناتنا بالمدارس والجامعات. لإحياء الروح الوطنية. وإذكاء عوامل وعواطف الولاء والانتماء للوطن الذي مثل ويمثل المركز القائد في المحيط الإسلامي. فكفي في هذا المقام أن نشير إلي أن هؤلاء المؤرخين العظام. الذين جعلوا الحديث عن فضائل مصر سنة متبعة في كتب التاريخ. فقد أبرزوا امتياز هذا البلد الأمين بأن ذكره قد جاء في القرآن الكريم في خمسة وعشرين موضعاً. وحتي قبل الفتح الإسلامي لمصر كانت استجابة شعبها لرسالة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - التي حملها الصحابي حاطب بن أبي بلتعة "35ق.ه - 30ه 586 - 650م" إلي المقوقس - عظيم القبط - سنة 7ه سنة 628م - استجابة إيجابية. فلقد دار بينهما حوار أرسي مباديء الإسلام في الرفض لاستبداد الفرعونية. وفي الاعتراف بكل النبوات والكتب والرسالات الدينية. وفي جعل الإيمان بالإسلام - الشامل لكل الرسالات - إضافة وارتقاء علي سلم الإيمان بالدين الإلهي الواحد. دون الانكار لأي شريعة من شرائع الأنبياء السابقين. وذلك - عندما قال حاطب للمقوقس: إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلي فانتقم لله به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك. ولا يعتبر بك.. وإن لك ديناً لن تدعه إلا لما هو خير منه - وهو الإسلام - الكافي به الله. وما بشارة موسي بعيسي إلا كبشارة عيسي بمحمد. وما دعاؤنا إياك إلي القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلي الإنجيل.. ولسنا ننهاك عن دين المسيح. ولكنا نأمرك به. ولمكانة هذا البلد الأمين كانت نبوءة رسول الإسلام - صلي الله عليه وسلم - بدخوله في الإسلام. وكانت وصاياه بأهله. الذين سيتبوأون في التاريخ الإسلامي مكان الريادة والقيادة. وسيمثلون كنانة الله في أرضه. المدافعة عن حياض دار الإسلام. وفي هذه الوصايا قال - صلي الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام مسلم: "ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيراً. فرن لكم منهم صهراً وذمة". وروي مسلم أيضاً قوله - صلي الله عليه وسلم: "ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط. فاستوصوا بأهلها خيراً. فإن لهم ذمة ورحما" فمن رحم هاجر المصرية جاء إسماعيل ابن أبي الأنبياء إبراهيم عليهما السلام. ومن مصر كانت مارية القبطية. التي ولدت للرسول - صلي الله عليه وسلم - ابنه الوحيد إبراهيم الذي سماه باسم أبي الأنبياء. الأمر الذي جعل المؤرخين الذين أرخوا لفضائل مصر يقولون: إن العرب والمسلمين كافة لهم نسب بمصر من جهة أمهم مارية أم إبراهيم ابن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لأن أزواج النبي أمهات المؤمنين. والقبط أخوال العرب والمسلمين. وصارت العرب كافة من مصر بأمهم هاجر لأنها أم إسماعيل وهو أبوالعرب. كما تنبأ رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بأن أهل مصر سيكونون علي امتداد تاريخ الإسلام القوة الضاربة دفاعاً عن ديار الإسلام في مواجهة التحديات والغزوات. جاء في كنز العمال أنه - صلي الله عليه وسلم - قال لصحابته: "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً. فذلك الجند خير أجناد الأرض".. فلما سأله أبوبكر الصديق: ولم ذلك يارسول الله؟ قال: "لأنهم في رباط إلي يوم القيامة". ولقد روت كتب فضائل مصر دعاء سيدنا نوح عليه السلام لمصر التي سميت باسم حفيده الذي سكنها بعد الطوفان. ولقد جاء في دعائه لحفيده ولأهل مصر: اللهم بارك في ذريته. وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمن البلاد وغوث العباد. ونهرها أفضل أنهار الدنيا. واجعل فيها أفضل البركات. ولقد وصف عمرو بن العاص هذا البلد الأمين فقال: إن ولاية مصر جامعة. تعدل خلافة.. أما ابنه عبدالله. فلقد وصف أهلها فقال: إنهم أكرم الأعاجم محتداً. وأسمحهم يداً. وأفضلهم عنصراً. وأقربهم رحما بالعرب كافة. وبقريش خاصة. ومن أراد أن ينظر إلي الفردوس فلينظر إلي أرض مصر حين تخضر زروعها. ويزهر ربيعها. وتكسي بالنوار أشجارها. وتغني أطيارها. أما الصحابي كعب الأحبار "32ه 652م". فقال فيها: إني لأحب مصر وأهلها. لأن أهلها أهل عافية.. ومن أرادها بسوء كبه الله علي وجهه.