وقع الفنان أحمد الأبحر في حب الخط العربي منذ فترة مبكرة من حياته وأخذه الافتتان بجماليات الحرف المملوء بقوة تشكيلية وروحية معبرة لعوالم من الإبداع مكنته من تقديم مئات اللوحات الفنية التي تجمع بين جماليات الخط العربي وأصول الفن التشكيلي المعاصر. وكانت بداية الأبحر لاستلهام الحرف العربي ورحلته مع جمالياته التي استمرت أكثر من 38 عاما تعود إلي مرحلة الدراسة الابتدائية حتي كانت تأخذه الكلمات التي يكتبها مدرس اللغة العربية علي السبورة بخط ثلث جميل فيظل مستغرقا في تأمل حروفها وأبعادها والتساؤل حول طريقة تشكل جمال الحرف. ودفعه العشق لجماليات الخط للالتحاق بكلية الفنون الجميلة ومدارس تحسين الخطوط وتكرس كل وقته وجهده لتتبع فنونه المختلفة التراثية والمعاصرة ودراسة كل خصائصه وسماته وإنجازاته الفنية وحرص علي تتبع عناصره وملامحه في كثير من الفنون التي عاصرته والتي جاءت من بعده واتسمت بالعمق والثراء والإبداع والقدرة علي العطاء ولم يتوقف بعد حصله علي شهادة في الفن ودبلوم في الخط عن مواصلة دراسة انجازات ذلك الفن وجمالياته وأساليبه ومدارسه وأساتذته الذين قدموا روائع الأعمال ولا يكتفي بذلك بل يستغرقه التحدي لاعداد أول رسالة دكتوراه عن "الحركة الهندسية كقيمة جمالية في الخط العربي وأثرها في الفن المعاصر" ويحصل عليها بمرتبة الشرف من كلية الفنون الجميلة. ومر الأبحر بمراحل تكوين فني متعددة فكان في مرحلته المبكرة والتي شكلت ذروة فهمه واستيعابه لغة الخط العربي وصهرها داخل أعماله الفنية والحصول علي شكل يجمع بين الارتباط العضوي بالخط العربي وفي نفس الوقت مواكب لايقاع العطاء الفني المعاصر كما يمثل اضافة لذلك التراث فظهر في شكل نقوش خلفية للوحات التشخيصية ثم انصهر الحرف العربي مع الأشكال الأخري وظهر كتطريز فني يغطي عناصر اللوحة كلها وفي مرحلة تالية تطورت أعمال الفنان فاختفت العناصر التشخيصية من اللوحة واستقل الحرف العربي وسيطر علي اللوحة كلها وبدأت مرحلة تبحث في تطوير الحرف العربي للخروج بنماذج جديدة كمباحث في اللون والملمس والتكوين. ويؤكد الأبحر أن الدراسة الأكاديمية عمقت من قدراته وفهمه لجماليات الفن الإسلامي وساهمت في توسيع رؤيته لبناء اللوحة الخطية فتأثرت أعماله في المرحلة الثانية بهذا العمق وظهر هذا جليا في الكلمات والحروف التي برزت أكثر وضوحا وقدرة علي حمل أكبر قدر من التعبير والديناميكية بانحناءاتها وامتداداتها وانكساراتها وانصياعها الدائم للحركة الحيوية علي السطح مما مكنه من طرح صيغ جديدة متألقة. وكشف انه ظل سنوات طويلة لا يتوقف عن ارتياد كل عوالم الفنون الإسلامية ويستفيد من التجربة التي انضجت رؤيته وقدراته ظهرت في أعماله الجديدة التي اتسمت بالبناء والتشكيل والتجديد وقدرتها علي توظيف عنصر الخط العربي فلم يتردد في اختيار موضوع الحروف المقطعة في القرآن الكريم مثل "الم - طسم" لتجسيد رؤيته الابداعية التي أصبحت تعتمد علي الإيحاءات الرمزية والمناخ الروحاني والفراغ غير المحدد فقدم صيغا فنية تشكيلية متعددة تحاول خلق رؤية جديدة لامكانات استخدام الحرف العربي واستنطاقه سواءكانت هذه القيم جمالية أو تعبيرية. ويقول إن الرؤية الفنية التي تعبر عن أسلوبه تستند إلي المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة مؤكدا ان شاغله الأكبر هو إحداث تكامل بين عناصر العمل الفني المختلفة من لون وتكوين وخطوط واستلهام الحروف العربية للحفاظ علي التراث وتسخير تقنيات العصر ليخرج عملا يتميز بالأصالة والمعاصرة. وشدد علي أنه امتداد لجيل الرواد من الفنانين المسلمين الأوائل الذين كانوا يكتبون لوحاتهم الخطية علي جدران المساجد فجاءت أعمالهم وظيفية تحتفي بالطابع الزخرفي مبينا ان الفنان المسلم المعاصر استفاد من منجزات العصر وحركة التأسيس العلمي والفني التي ساعدته علي تقديم أعمال معاصرة تستلهم الجماليات الموجودة بالتراث الإسلامي وتستفيد من أصالة الخط العربي. مما مكنه من المساهمة في جهود إحياء الفنون الإسلامية ووضعها في قلب عصري.