للقرآن الكريم قداسة في نفس كل مسلم لا ترقي إليها منزلة أي مقدس. بحكم أنه "لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلى مِنْ حَكِيمي حَمِيدي" فصلت42 والتحاكم إليه يؤدي إلي الرضا والقبول والتذكير به مهمة الرسول وبعده العلماء "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ" النحل44 و"العلماء ورثة الأنبياء". والأوضاع المؤسفة التي نراها الآن في مصر ومواقف الشرائح والأحزاب المتصارعة تستدعي تدبر ما جاء في هذا الكتاب المحكم عمن كان يكيد للإسلام في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وكأنه ينزل علينا الآن» إذ نراه يصف هذه المشاهد بدقة بالغة وبصورة متقاربة وينبه علي أسبابها ودوافعها ويحذر من الوقوع فيها مبينا مآلاتها وعواقبها الوخيمة. وحتي لا نطيل في هذا التمهيد نستعرض بعض ما نسمعه ونشاهده في بعض وسائل الإعلام وفي المسيرات والمظاهرات والاعتصامات ونحاول أن نستجلي ما جاء في شأن مثيلاتها علي لسان الوحي. ولا غرابة في هذا فإن من أنزل هذا الكتاب لم ينزله لجيل أو عصر وإنما أنزله متوائما مع طبيعة الإنسان التي لا تختلف في غرائزها ودوافعها وفطرتها من عصر إلي عصر. وسبحان من هذا كلامه. نسمع كثيرًا من بعض وسائل الإعلام تزييف الحقائق وافتراء الأكاذيب وتكرارها حتي يظن البسطاء أنها حقائق يدفعهم إلي ذلك الرغبة الجامحة للوصول إلي السلطة بأي ثمن ولو علي أنقاض الوطن وفي سبيل ذلك لا مانع من الاستقواء بالأعداء والتعاون معهم في إهدار طاقات الأمة والوصول بها إلي حافة الهاوية الاقتصادية تمهيدًا لثورة الجياع وشيوع ما يسمي "الفوضي الخلاقة" التي يظنون أنهم قادرون أثناءها علي القفز علي السلطة وفي سبيل ذلك ينفقون بسخاء من أموال نهبوها من دم هذا الشعب المسكين في فترة الفساد الذي اعترفت به الدنيا جمعاء ليستأجروا بها الأطفال السذج والمحاويج والأميين ويقنعوهم بالباطل أنهم يدافعون عن مستقبل هذا الوطن وأنهم يقتلون من يريد به شرا وقد تم ذلك في الأيام القليلة الماضية بما لا تخطئه عين ولا أذن. فماذا قال الله عن ذلك؟ قال عن حادثة الإفك التي اتهمت فيها أطهر نساء العالم: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةى مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرى لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئي مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّي كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابى عَظِيمى" النور11 - قال عن الافتراء "إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَي اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ" "يونس:69" وقال: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَي عَلَي اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَي إِلَي الإِسْلامِ" "الصف 7" وقال عمن يختار الكذب مهنة ورزقا "وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" "الواقعة 82" وقال عن تدمير الإنشاءات والسعي بالفساد "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافي أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيى فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابى عَظِيمى" "المائدة 33". - وقال عن الاستعانة بالأعداء علي الوطن بأنها من صفة المنافقين ولن يصلوا إلي ما يريدون "الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً" "النساء 139". - وقال عن الضغوط الاقتصادية علي الأمة مخاطبا المؤمنين: "وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمى حَكِيمى" التوبة وقال "لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًي كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" "آل عمران 186". - وقال عن قتل المؤمن عمدًا بلا ذنب "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" "النساء193". - وقال عمن يتعصب لرأيه ويغلق باب الحوار حين يجد الحق مع غيره. متحدثا عن مجادلة إبراهيم لأبيه حيث قال له أبوه في نهاية الحوار: "أَرَاغِبى أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً" "مريم 46" وحين جادل قومه في شأن الأصنام بعد أن حطمها وسألوه عنها فقال: "بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ" "الأنبياء63" وأمام هذه الصدمة فكروا برهة من الزمن فهداهم العقل إلي صحة ما قال إبراهيم: "فَرَجَعُوا إِلَي أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ" "الأنبياء 64" ولكن سرعان ما انقلب هذا التفكير للعصبية وقالوا: "حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ" "الأنبياء 68" واتخذ فرعون نفس الموقف مع سيدنا موسي بعد إجابته عليه بما أحرجه قال: "لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِن الْمَسْجُونِينَ" "الشعراء 29" وقال: "ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَي وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ" "غافر ".26 - أما عن تعاون أهل الباطل ضد الحق وأتباعه وغلظة هؤلاء وقسوتهم وتجردهم من مشاعر الإنسانية فقد قال: "إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً" "الكهف 20".