ما هذا الواقع المر الأليم. الذي تحياه أمتنا عامة. ومصرنا خاصة؟ وأين مراقبتنا لربنا جل وعلا؟. أين خوفنا من الله عز وجل؟. لقد رُفع غطاء الخوف عن الخلق من مراقبة السلطان والقانون. فظهرت أخلاق الناس علي حقيقتها المرة الأليمة. ما اتقي الله عز وجل..من صوب السلاح في وجه أخيه. ما اتقي الله عز وجل من قطع الطُرق. ما اتقي الله عز وجل من جلس علي كرسي أو في منصبي. فما راع الخالق والخلق. ما اتقي الله عز وجل من انتقل كل ليله من فضائية إلي أخري لينتهك الأعراض. وليستبيح الحُرمات. ما اتقي الله عز وجل من كذب في الليل والنهار. ما اتقي الله عز وجل من سرق أقوات هذا الشعب المظلوم المسكين. سرق السلع. وهربه هنا أو هناك أو هنالك. وأكل وامتص دماء هذا الشعب. ما اتقي الله عز وجل من أطلق لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات. ما اتقي الله عز وجل من ظلم خلق الله وعباد الله. ما اتقي الله عز وجل من يستطيع أن يأتي للمظلوم بحقه ولم يفعل. ما اتقي الله عز وجل من قدم مصلحته الشخصية والحزبية والجماعية علي مصلحة هذا البلد وعلي مصلحة هذا الشعب المقهور المظلوم. نعم.. أنا أعتقد اعتقاداً جازماً أن أحوالنا لن تُصلح بالقوانين. ولا بالبرلمانات. ولا بمجلس الشوري ولا بمجلس الشعب ولا بتعديل الدستور. ولا بغير ذلك. وإنما لن يُصلح الله أحوالنا في الدنيا ولن يسعدنا ربنا جل وعلا في الآخرة. إلا إن حققنا التقوي. إلا إن اتقيناه وراقبناه. وإلا لاحتاج كل واحد منا إلي مسئول يراقبه. لو راقبنا العلي الأعلي ما احتجنا إلي مراقبة القانون الوضعي الأعمي. لو اتقيت العلي الأعلي ما احتجت إلي قانون وضعي أعمي. نريد التقوي.. والله ما أحوجنا إلي التقوي. أعلم أن جُل العلماء والدعاة. قد ابتعدوا عن مثل هذه الموضوعات الأصيلة. وعن مثل هذه المعاني النبيلة. وغرق الكل أو الجُل في هذه السياسات والصراعات المريرة المؤلمة. ونسي كثير من أهل العلم أن أصل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة.. في أن يرد الناس من جديد إلي الله جل علاه. نعم.. نحتاج أن نرجع إلي ربنا جل وعلا. نحتاج أن نُذكر أنفسنا بالله من جديد. نحتاج إلي أن نُذكر أنفسنا بالخوف منه. بحبه. بمراقبته. بالتوكل عليه. بخشيته في السر والعلن . بالخشية منه. إلي غير ذلك من هذه المعاني الذي لا يتحقق الإيمان الكامل إلا بها. فالإيمان ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة فحسب. ولكن الإيمان الذي ينجو به أصحابه: قول واعتقاد وعمل. نعم..لطالما أردت أن أذكر الناس بهذه الآيات الكريمة التي يفتتح بها جُل الخطباء خطبة الجمعة والتي تلوتها علي مسامع حضراتكم اليوم. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "102""آل عمران "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسي وَاحِدَةي". "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا" إلي آخر هذه الأوامر بتقوي الله عز وجل. لا تتصور أن التقوي موعظة. لا تتصور أن التقوي مجرد كلمات يرددها عالم أو داع. بل التقوي غاية الغايات. إذا كانت الغاية من خلق السموات والأرض هي العبادة. "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ "56""الذاريات. إذا كانت الغاية من خلق الخلق وخلق السماء والأرض. وخلق الجنة والنار وإنزال الكتب وإرسال الأنبياء والرسل. إذا كانت الغاية هي ¢العبادة¢ فإن الغاية من العبادة هي التقوي. فهي غاية كل غاية. قال جل وعلا:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "21""البقرة. الغاية من العبادة.. أن نحقق التقوي. الغاية من صلاتنا.. أن نحقق التقوي. الغاية من الصيام.. أن نحقق التقوي. الغاية من الحج.. أن نحقق التقوي. الغاية من كل عبادة أن نتق الله سبحانه وتعالي. فما هي التقوي إذن؟ التقوي: هي اسم من التق. والمصدر الالتقاء وكلاها مأخوذ من مادة وقي. والوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره. فتقوي العبد لربه -خلي بالك- فتقوي العبد لربه أن يجعل بينه وبين سخط الله. وغضبه. وعذابه. وعقابه. وقاية. ألا تريد أن تحقق هذه الوقاية؟ ألا تخشي سخطه؟. ألا تخشي غضبه جل وعلا؟. ألا تخشي عقابه؟. يا من توهمت أن الكرسي سيدوم إليك. ولو دام إليك ما دام لغيرك. وما مر إلا عامان. وما اتعظ واعتبر كثير من الخلق. فالكراسي إلي زوال . والمناصب إلي فناء. يا من تحرص علي أكل المال ولو كان من الحرام . ولو سرقت أقوات هذا الشعب. ما نفع المال أصحابه لا في الدنيا ولا في الآخرة. إلا إذا جُمع من الحلال . واتقي فيه صاحبه الكبير المتعال. ما اعتبر واتعظ كثير من أهل مصر. بما أجراه الله جل وعلا علي أرض مصر من آيات تذيب الصخر وتلين الحجارة. لكن صنفاً من الخلق يحمل في صدره قلوباً أقسي والله من الحجارة. فالحجارة تلين. وتخشع. وتخضع. وتخاف الله وعلا. فوالله ما خر حجر من جبل إلا من خشية الله جل جلاله:"لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَي جَبَلي لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.."21""الحشر. والقرآن يتلي علينا في الليل والنهار. لكن أين القلوب الخاشعة؟ أين القلوب الخاضعة؟ أين الدموع الدامعة؟ يا نادماً علي الذنوب.. أين أثر ندمك؟ يا خائفاً من الله أين أثر خوفك؟. أين مراقبتك لمولاك؟ أين تقواك لله في ليلك ونهارك. وسرك وعلانيتك. وقولك وصمتك. ونهارك وليلك؟ أين تقواك ؟ أين خوفك من عقابه. أين خوفك من عذابه. أين خوفك من سخطه وغضبه جل جلاله؟ أخشي أن نكون ما نحن فيه الآن إنما هو غضب من الله. لأننا لم نشكر الله علي نعمه. ولم نراقب الله في سرنا وعلانيتنا. وفي أقوالنا وأفعالنا. فلا ينزل بلاء إلا بذنب. ولا يُرفع بلاء إلا بتوبة. فتش في ذنوبك. وليفتش أهلنا في الذنوب والمعاصي. فما نحن فيه الآن من ضنك. وضيق. وصراخ. وألم. وهم. وحزن. وتصارع. وتناحر علي الكراسي الزائلة. والمناصب الفانية. بسبب ذنوبنا. أنا لا أقول ذلك رجماً بالغيب. بل هو قول ربي جل وعلا:"..ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ.."146""الأنعام. أي بظلمهم. أنا لا أعلم زمناً انتهكت فيه الأعراض. وتطاول فيه الخلق علي الحُرمات كهذه الأيام. تُرتكب كل يوم كبيرة القذف. القذف كبيرة من الكبائر. ترتكب كل ليلة علي شاشات الفضائيات. وعبر مواقع التواصل الاجتماعي علي شبكة الانترنت. وفي الجرائد. والصحف. والمجلات. ناهيك عن سفك الدماء. وحرق الممتلكات. والاعتداء علي المؤسسات. والاعتداء علي الأفراد إلي غير ذلك. من ظلمات فوق ظلمات. وذنوب فوق ذنوب. ومعاصي فوق معاصي. تقوي العبد لربه أن يجعل بينه وبين سخطه. وغضبه. وعذابه. وعقابه. وقاية. وللحديث بقية العدد القادم بمشيئة الله