* هل يجوزلإنسان مسلم أو دولة مسلمة أن تستعين بجيش غير مسلم لدفع غارات العدو؟ * يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الأسبق: دلت حوادث كثيرة علي أن النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه استعانوا بغير المسلمين. للدفاع عن النفس أو لتحقيق مصلحة مشروعة. ومن ذلك: 1 أذن الرسول صلي الله عليه وسلم في مكة أن يهاجروا إلي الحبشة ليأمنوا علي أنفسهم وعلي دينهم. وقال: "لو خرجتم إلي أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد.. وهي أرض صدق حتي يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه" كما ذكره ابن اسحاق "الزرقاني علي المواهب ج 1 ص 270" فهاجروا مرتين. وكانت الأولي في رجب سنة خمس من النبوة. وروي البخاري وغيره تفاصيل الهجرة الثانية: 2 عندما عزم أبو بكر رضي الله عنه علي الهجرة من مكة إلي الحبشة ووصل إلي مكان يسمي برك الغماد بفتح الباء وكسرها مع سكون الراء. وبضم الغين وكسرها وفتحها لقيه أحد مشركي مكة واسمه ابن الدغنة بفتح الدال وكسر الغين وتخفيف النون. وبضم الدال والغين وتشديد النون وقال له: مثلك يا أبا بكر لا يخرج. وعاد إلي مكة في جواره بعد أن أعلن ذلك في قريش. وأخذ أبو بكر يعبد ربه في مسجد بفناء داره. يصلي ويقرأ القرآن. حتي أرغم الكفار ابن الدغنة علي منع أبي بكر من قراءة القرآن حتي لا يفتن به الناس. فرد أبو بكر عليه جواره ورضي بجوار الله. كل ذلك والرسول يعلم وأقره عليه. وأخرجه البخاري. 3 لما عاد الرسول من الطائف وأراد دخول مكة قال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وهم قد أخرجوك؟ فطلب الجوار من الأخنس بن شريق. ومن سهيل بن عمرو فامتنعا. ورضي المطعم بن عدي أن يجيره. وحفظ الرسول له هذا الجميل. علي الرغم من أنه مشرك وذكر ابن الجوزي أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول للمشركين: "من يؤويني حتي أبلغ رسالة ربي"؟. 4 استأجر الرسول في الهجرة دليلا مشركا هو عبدالله بن أريقط. ولم يعرف له إسلام حتي مات. ولم ينقل أن النبي صلي الله عليه وسلم أنكر علي "أم سلمة" هجرتها وحدها من مكة إلي المدينة في حماية عثمان بن طلحة وكان مشركاً. وقد أثنت أم سلمة علي أمانته وحسن صحبته. 5 لما قدم الرسول المدينة كتب مع اليهود كتابا تحالفا فيه علي حماية المدينة من العدو. وعلي التعاون علي المصلحة العامة. وظل محترما هذا التحالف حتي نقضوه هم. علي ما هو مذكور في كتب السيرة. 6 وافق الرسول علي دخول "خزاعة" معه في الحلف الذي أبرمه مع قريش عام الحديبية. وكانت خزاعة علي شركها. ولما شكت إليه نقض "بكر" العهد وهي حليفة قريش. صمم علي نصرة خزاعة وكان فتح مكة نتيجة لذلك سنة ثمان من الهجرة. 7 خرج "قزمان" مع الصحابة يوم غزوة أحد وهو مشرك. فقتل ثلاثة من بني عبدالدار حملة لواء المشركين. حتي قال الرسول: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" "نيل الأوطار ج 7 ص 237" وقيل إن قزمان كان في خيبر. وقيل غير ذلك.. 8 استعان الرسول بيهود بني قينقاع. ورضخ لهم من الغنيمة والرضخ جزء من الغنيمة لا يساوي السهم المقرر للمجاهدين "نيل الأوطار ج 7 ص 236" قال النووي شرح صحيح مسلم "ج 12 ص 198": أخذ طائفة من العلماء بحديث عدم الاستعانة علي إطلاقه. وأخذ الشافعي وآخرون بحديث صفوان. أي جواز الاستعانة به شرك إن كان حسن الرأي مع الحاجة إليه. وإلا فيكره. 9 استعان الرسول بأسلحة صفوان بن أمية وكان مشركاً حين خرج من مكة لغزو هوازن في حنين سنة ثمان من الهجرة كما ذكره العيني في شرح البخاري "الزرقاني علي مواهب ج 3 ص 6". وجاء فيه أنه خرج مع الرسول ثمانون من مشركي مكة بل أكثر من ذلك. يطمعون في الغنائم. 10 وإلي جانب ما كان في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم استعان الخلفاء الراشدون ومن بعدهم بغير المسلمين فيما يحتاجون إليه. وبخاصة في التنظيمات الجديدة كالدواوين والإدارات. وإذا كان هناك نهي عن موالاة غير المسلمين وعن اتخاذ بطانة منهم. فذلك فيما يضر المسلمين. مع اتخاذ الحيطة والحذر. ومع جعل القيادة والرئاسة في يد المسلمين. فذلك هو الوضع الطبيعي بين المستعين والمستعان به. وإلا كان الاستسلام الذي يتنافي مع قول الله تعالي: "ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا" "سورة النساء: 141" علي ما قاله بعض المفسرين. لكن يعكر علي جواز الاستعانة بغير المسلمين في الحرب وغيرها ما رواه مسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال للرجل الذي تبعه عند خروجه من المدينة نحو بدر "ارجع فلن أستعين بمشرك" ثم تبعه فقال له: "أتؤمن بالله ورسوله"؟ قال: نعم. فقال له: "انطلق" يعني تعال معنا "صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 198". وفي رواية لأحمد: "إنا لا نستعين بالمشركين علي المشركين". وأجاب العلماء بأن هذا الحديث منسوخ بالحوادث التي جاءت بعد ذلك في الاستعانة بهم. وهو الراجح. ورأي جماعة عدم النسخ وقالوا: محل جواز الاستعانة هو عند الحاجة أو الضرورة. ولا تجوز في غير ذلك. والرسول ما كان في بدر محتاجا إلي من يساعده. لأن خروجه لم يكن للحرب. بل لاعتراض قافلة قريش. ولذلك أخذ معه نحو ثلثمائة صحابي أو يزيدون قليلا. ولو كان يريد الحرب لأخذ كثيرا من آلاف المسلمين الذين تركهم في المدينة. من هنا نعلم ان استعانة الفرد أو الجماعة بغير المسلم للدفاع عنه لا مانع منها. هذا. والخلاف في الاستعانة في الحرب بالمشركين إنما هو في الاستعانة بهم علي المشركين. أما علي المسلمين كالبغاة فلا يستعان بغير المسلم كما ذكره الماوردي في "الأحكام السلطانية ص 60" وابن قدامة في المغني "ج 10 ص 456" لكن لو قضت الضرورة التي لا يوجد فيها من يعين من المسلمين فلا مانع. لأن الضرورات تبيح المحظورات.