منذ أيام اشرنا إلي الحروب الشرسة والمستمرة والمحاولات المستميتة لتشويه وتحريف القرآن الكريم.. في تحد واضح للأمر الإلهي "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".. وتتخذ تلك المحاولات من الإنترنت مجالا فسيحا ورحبا للعمل.. علي الجانب الاخر ووفقا لنظرية التدافع في الكون رصدت علي شبكة الإنترنت مئات بل آلاف المشروعات الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو ما يعرف التحفيظ عن بعد أو ما يمكن أن نسميه الكتاتيب الإلكترونية تجاوزت فكرة الكتاب التقليدي واستغلت الامكانيات التكنولوجية الحديثة ووسائط الاتصال الأكثر شهرة واستخداما الآن بين قطاعات الشباب والمثقفين والمسلمين الجدد في انحاء الكرة الأرضية. هذه المجهودات وإن غلب علي معظمها أنها فردية تطوعية إلا أنها مهمة للغاية وتقوم بدور فعال في مجال تحفيظ القرآن للمسلمين المتعطشين لذلك ولا يجدون مساعدة علمية حقيقية.. وذلك نظرا للخصوصية التي يتميز بها القرآن الكريم فهو ليس مادة سهلة الحفظ والقراءة كأي كتاب بالعربية ولكنه يحتاج إلي التلقي عن قارئ وحافظ متقن حتي يمكن الحفظ بطريقة صحيحة بدون لحن أو خطأ.. تعليم القرآن الكريم عن بُعد أحد التجليات العظيمة للحالة "النتية" المعاصرة.. حيث يتم التحفيظ من خلال توظيف تقنية الشبكة العنكبوتية والاستفادة من غرف الحوار الحي والمحادثة الصوتية المباشرة مثل "البالتوك baltalk. إن سبيك speakin " وغيرها من التقنيات المتطورة. في الحقيقة الجهود مبهرة والتجارب رائعة وتشعر كل مسلم بالفخر بإسلامه والقرآن الكريم وكيف أن الله تعالي فعلا هو الحافظ له والمتكفل بذلك.. ولذا يفتح الأبواب وييسرها علي كل من سلك طريقا إلي هذا العمل العظيم.. وكل يوم هناك جديد.. وابداعات العقل المسلم لا تتوقف بحثا عن طريق لتييسير حفظ كتاب الله.. فهناك الآن مدارس وجامعات وأكاديميات علي النت.. وجمعيات خيرية أهلية وشبه حكومية وحلقات خاصة بالنساء والشباب والأطفال والمسلمين الجدد وللناطقين بغير اللغة العربية.. ومقرأة الإنترنت.. هذا علي صعيد المؤسسات والهياكل التنظيمية.. أما علي الصعيد العملي والبرامجي.. فهناك برنامج جديد وفريد لتعلم القراءة والتلاوة القرآنية والتجويد. برنامج يتلو آيات القرآن الكريم كلمة كلمة مع مراعاة قواعد التجويد.. نص القرآن بالرسم العثماني موافق لمصحف المدينة. وله القدرة علي تكرار كل كلمة أو أية أو السورة مع اختيار عدد المرات للتدرب علي القراءة أو حفظ القرآن. ويمكن تعلم قراءة القرآن مع القارئ المعلم من خلال ميزة فريدة بحيث يظهر النص مظللا باللون الأزرق بدون صوت ثم يظهر نفس النص مظللا باللون الأحمر مترافقاً مع صوت الشيخ بعد إنتهاء الفاصل الزمني المحدد لمستوي المتعلم وتكون تلاوة الشيخ بطيئة بما يكفي لتكون مناسبة للمتعلمين. لأنها سجلت خصيصا لهذا الغرض.. ويصحب ذلك معان وتفاسير من بعض الكتب المشهورة.. وهناك أحيانا ترجمات لبعض المعاني.. بلغات مختلفة.. ومن بديع الإنجازات علي هذا الصعيد ما يعرف باسم "مقرأة الإنترنت" وهو مشروع قمة في الطموح والإصرار.. والإنجاز أيضا.. القائمون علي المشروع طرحوا علي انفسهم السؤال المهم التالي: كيف نستطيع تعليم القرآن الكريم للفئات التالية: - القاطنون في بلاد نائية أو غير إسلامية أو لا يوجد فيها معلمون للقرآن؟.. - كبار السن؟ - المرتبطون بوظائف وأعمال تأخذ جلّ أوقاتهم؟ - النساء اللاتي لا يستطعن مغادرة المنازل؟ - كل من لا يجد من نفسه القدرة علي الالتزام بحلقة أو مدرسة لتحفيظ القرآن لأي سبب كان؟!! طبعا الهدف واضح وجلي هو :خدمة كتاب الله تعالي ونشر تعلمه بين جميع المسلمين في شتي أقطار العالم خاصة الأماكن والدول التي يصعب توفر محفَّظين ومعلمين فيها كالدول الأوروبية والأمريكية والاسترالية وشرقي آسيا. مستغلين ما وفرته التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة. عن طريق الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" وبرنامج "البالتوك". وهناك أهداف أخري للمشروع تم تحديدها في النقاط التالية: - تعهد القرآن الكريم تعلما وتعليما والإفادة من التقنيات الحديثة في ذلك. - ربط المسلم بكتاب الله تعالي وإشغال وقت فراغه بتلاوته وتعلمه. - تصويب وتصحيح قراءة القرآن الكريم عند من لا يتقن ذلك. - تعليم التلاوة الصحيحة نظريا وتطبيقيا. - تدريس القراءات العشر وإتقانها. - التدرب علي مهارات القراءة والإقراء. - تدريس علم التجويد وتطبيقه. وقد تم تخصيص غرفة لهذا الغرض علي برنامج "البالتوك" باسم غرفة: "رياض الجنة لتعليم القرآن" يقوم عليها مدير ومشرف ومعلمون هدفهم خدمة كتاب الله تعالي تعلما وتعليما دون الدخول في أي جانب آخر. وللمشروع برنامج أساسي وبرامج أخري مساعدة. الأساسي: يعتمد تصويب القراءة وتصحيحها: ويهدف إلي تعليم التلاوة الصحيحة بطريق تصويب الخطأ لغير المتقنين. وللبرنامج آليتان في ذلك: الأولي: التعليق علي قراءة القارئ وتوجيهه وإرشاده بعد إتمام قراءته. وهذا لمن لا يحتاج إلي مقاطعته أثناء القراءة. الثانية: مداخلة القارئ أثناء القراءة لتصويب قراءته. هناك منتسبون وبرامج للتلاوة والتجويد إلي جانب البرامج العامة التثقيفية للتعريف بدور القرآن الكريم وما يتم حوله من بحوث ودروس. والتعريف بالرسم العثماني وعلامات المصحف. والأحكام الفقهية التي تتعلق بالقرآن وتلاوته. الطريف أن عدد المترددين يومياً: من 600 إلي 800 شخص في الفترتين الصباحية والمسائية. وبلغ عدد الدول المستفيدة من الغرفة "89" دولة علي مستوي العالم. وبلغ عدد المسجلين لختمة كاملة للقرآن 145 قارئاً من دول مختلفة. وفوق كل ذلك إسلام بعض الأشخاص بمجرد حضورهم وطرح بعض الأسئلة البسيطة. بالطبع هناك ضوابط مهمة ولازمة يجب توافرها عند إقراء القرآن الكريم عبر المقارئ الإلكترونية علي شبكة الإنترنت في مقدمتها: أنْ يكون الصوت علي درجة عالية من الوضوح. بحيث يَسمع الشيخُ الهمسَ والرخاوةَ والتفخيمَ والترقيقَ والتسهيلَ والرَّوْمَ والنَّبْرَ والغُنةَ في أحكامِها المُختلفة. مع قُدرةِ الدارس علي استيعاب الملاحظات مِن الشيخ في هذه الدقائق وغيرها. أنْ يتأكَّدَ الشيخُ المُجيزُ أنَّ هذا الدارسَ هو الذي أَكمَلَ معه الختمةَ في مَجالِسِها المختلفةِ. وذلك في حالات عدم وُجود رؤيةي مُباشِرةي بين الطرفَينِ. في حال الاتصال المَرئيِّ يجِبُ أنْ يَتزامَنَ ويَتطابَقَ نُطقُ الحروفِ والكلماتِ مع شَكْلِ الشفَتَينِ قِراءةً ووَقْفًا. أنْ تَكون سُرعةُ الاتصال بشبكة الإنترنت عالِيةً تَسمَحُ بسماع الملاحظات مُباشَرةً عند حُصولِها. وليسَ بعدَ أنْ يَكونَ الدارسُ قد تَجاوَزَ مَحِلَّ المُلاحَظةِ إلي غيرِها. عندما يتغيّر الصوْتُ أو يتقطّعُ بسبب وَسيلةِ نَقْلِ الصوْتِ أو يَتَضَخَّمُ أو يَتَباطَأُ أو يَنقَطعُ جزْءى مِن الآيةِ. فعَلَي الشيخِ أن يطلب مِن الدارسِ إعادةَ المَقْطَعِ مرّةً أُخرَي. إذا لمْ يستطعِ الدارسُ تمْيِيزَ ملاحظة الشيخِ مع تَكرارِ نُطْقِها وشَرحِها مِن قِبَلِ الشيخِ. وعدم قُدرةِ الدارسِ علي نُطقِها بِشَكلي صحيحي وكان ذلك بسببِ الوسيلةِ الصوْتيةِ. في هذه الحالةِ ¢تُحصَرُ هذه الملاحظات¢. ويُحدَّدُ موعِدى للقاء المُباشِرِ بيْن الطَرفَيْنِ لتصحيح جميع الملاحظات. لا اخفيكم أنه بقدر فرحي وسعادتي بتلك المشروعات الرائعة إلا أنني أشعر بقلق وانزعاج كبيرين خاصة أن معظم المشروعات فردية مرتبطة بالأشخاص القائمين عليها أو الممولين لها.. ومثل هذه الأعمال العظيمة لابد أن تقوم علي فكرة العمل المؤسسي أو تكون أعمالاً ممن يتوافر لها الوقفيات لحمايتها وضمان ديموميتها واستمرار دورها بالشكل الواجب.. ولا تصاب باحباط أو انكسار بسبب فقر التمويل أو التعرض لضائقة مالية أو لرحيل المؤسس.. ملاحظة أخري أكثر أهمية استوقفتني في الجولة الطويلة مع خدمة وحفظة كتاب الله هناك أسئلة طرحها البعض بكل صدق وغيرة.. تقول: ما صحة ما يطرحه البعض وتروجه بعض المواقع الإلكترونية عن القرآن الكريم من شائعات التحريف والتشويه؟ وكيف يمكن أن نتعامل مع تلك المواقع وكيف نرد علي تلك الشائعات؟ أسئلة مهمة لا يمكن أن نغفلها أو نتجاهل الرد عليها أو أن نتبع معها سياسة الإهمال والطناش.. فكل شيء قد تغير من حولنا ولا مجال للسكوت.. *** عنِ ابنِ عباسي رضيَ اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ صَلّي اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءى مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ" ¢أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح¢. عن عمرَ بن الخطابِ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّي اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: "إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين" ¢أخرجه مسلم¢. عن أبِي موسي الأشعري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله تعالي إكرام ذي الشيبة المسلم. وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط" ¢أخرجه أبوداود¢. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا. ونور صدورنا. وجلاء أحزاننا. اللهم اجعله شفيعاً لنا. وشاهداً لنا لا شاهداً علينا. اللهم ألبسنا به الحلل. وأسكنا به الظلل. واجعلنا به يوم القيامة من الفائزين. وعند النعماء من الشاكرين. وعند البلاء من الصابرين. اللهم حبِّب أبناءنا في تلاوته وحفظه والتمسك به. واجعله نوراً علي درب حياتهم. برحمتك يا أرحم الراحمين.