يتَّفق جميع مَن تحدَّث في إعجاز القرآن من الأقدمين والمحدَثين - وعلي رأْسهم عبدالقاهر الجرجاني العالم الجليل المتوفَّي عام 471ه - علي أنَّ وجْه الإعجاز في القرآن هو النَّظم. وهو الذي أعجز العرب والعجم» قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضي ظَهِيرًا "الإسراء: 88". وفي النَّظم لا بد أوَّلاً من ترتيب المعاني في النفس. وثانيًا ترتيب الألفاظ في النُّطق. وعلي سبيل المثال: إنني أعني أنَّ أعبدَ الله ولا أعبد سواه. وأستعين بالله ولا أستعين بسواه. ومِن ثَمَّ فإن الألفاظ التي تعبِّر عن ذلك هي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ "الفاتحة: 5". ومع حُبِّي الشديد بتعدُّد وجود الإعجاز في القرآن الكريم. إلاَّ أنَّني أقف موقفَ الحذر من ظاهرة ما يُسمي بالإعجاز العددي في القرآن الكريم» ¢لأنها تمسُّ أعظم وجْهي للإعجاز القرآني. وهو - كما أسلفتُ - النَّظم في القرآن الكريم. وأمامي مثالان مختلفان تمامًا» الأول: أرفضه تمامًا» لأنه قد أساء إلي جلال نَظْم القرآن. وهو فِكْر محمد رشاد خليفة حول دَلالة الرقْم 19 في القرآن الكريم» حيث وجدتُ بعد مراجعتي للأرقام الواردة في كتابه أخطاءً وراءَها قصْدى مُبَيَّت. أمَّا المثل الآخر المشرق. والذي أسأل الله أن يجزي صاحبَه خيرَ الجزاء عنه - وهو الدكتور عاطف قاسم المليجي - الذي أبان شواهدَ الإعجاز في البناء القرآني. وقبل كشْف الزَّيْف في نظرية التسعة عشر لرشاد خليفة. لِي أنْ أؤكِّد أنه من الأفضل أن نعرِضَ علي الناس سُمو الإعجاز البياني. والكوني. والتشريعي. وأنباء السابقين وأخبار المستقبل» كما وردَتْ في القرآن الكريم بدلاً من هذا العدد الحرفي الجاف. تلك نقطة مهمة. أمَّا الأخري التي أؤكِّد عليها. فهي العبث في محاولة عدِّ حروف معيَّنة» للوصول إلي نظرية تَحكم تَكرار تلك الحروف. كما فعَلها رشاد خليفة في نظرية التسعة عشر غير المأسوف عليها. ويرجِع سبب إنكاري لتلك النقطة الثانية إلي تساؤلي وجيهي طرحَه الدكتور فضل حسن عباس: ماذا نقول يا تُري في الكلمات التي تُذْكَر في قراءة تارة وتحذف في أخري. أو ذُكِر بعضها في قراءة وغيرها في أخري» لأنه من المعلوم بَداهة أنَّ القرآن الكريم نزَل علي سبعة أحرف. وأنَّ هناك قراءاتي متواترةً. لا يفضل بعضها علي بعض. ولمزيد من التوضيح هَبْ أنَّ أحدًا أراد أن يسلكَ طريق رشاد خليفة في تبيان الإعجاز العددي في بعض الأمثلة التي تشير إلي تغيُّر الحرف في القراءات المختلفة التي تجعل من الصعوبة العدَّ. وهي مثلاً: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ "الأعراف: 43". ففي قراءة أخري لا تجد فيها حرفَ ¢الواو¢. حيث تُكتب هكذا: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ . وَانْظُرْ إِلَي الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا "البقرة: 259". وفي قراءة نُنْشِرُها؟ والآن نأتي إلي خُرافة نظرية التسعة عشر لرشاد خليفة» حيث يقول: إنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "الفاتحة: 1" تتشكَّل من 19 حرفًا. وإنَّ الرقْم 19 يتميَّز بأنه يحتوي علي بداية النظام الحسابي. وهو الرقْم 1. ونهاية الرقْم الحسابي وهو الرقْم 9. وإنَّ الرقْم 19 لا يقبل القسمة علي غيره. ولنا أن نُدرِكَ الخطأ في تلك المقولة عن بداية ونهاية النظام الحسابي. وما هو وجْه الخصوصيَّة في عدم قَبول الرقْم 19 القسمةَ علي غيره. فلجميع الأرقام الفرديَّة تلك الصفة. ولكي يلبس رشاد خليفة - لهدفي في نفسه سيتَّضِح بعد قليل - الرقْم 19 لِباَسَ الهَيبة. نجده يقرِّر أنَّ كل كلمة في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تتكرَّر في القرآن الكريم كلِّه عددًا من المرَّات. هو دائمًا من مكرَّرات الرقْم 19. فيذكر أنَّ ¢اسم¢ تتكرَّر في القرآن 19 مرَّة بالضبط. ولفظ الجلالة يتكرَّر 2698 مرة. وهو يساوي 19 142. وكلمة الرحمن تتكرَّر 57 مرة. وهو يساوي 19 3. وكلمة الرحيم تتكرَّر 114 مرة. وهو يساوي 19 6. كما أنَّ سُوَر القرآن الكريم نفسها عددها 114. وهذا العدد يساوي 19 6. عند هذا انتهي الكلام. ولكن لِمَن عنده جهاز حاسوب فعليه أنْ يراجِع تلك الأعداد. ولِمَن ليس عنده حاسوب. فليراجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم» "جزَي الله واضِعَه محمد فؤاد عبدالباقي خيْرَ الجزاء" سوف يجد الدجل في مجموعة من النقاط نوضضحها في العدد القادم إن شاء الله تعالي