قدم الإسلام لأهل الكتاب من حجج وآيات وبراهين بينات. وكم تقرب إليهم وتودد وتعامل باللطف واللين والحسني. ونادي عليهم كثيراً "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" سورة آل عمران- الآية .64 وما كان منهم إلا الإعراض والصلف وتلبيس الحق بالباطل. والصد عن سبيل الله.. خاطبهم المولي سبحانه: "يا أهل الكتاب لِمَ تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" سورة آل عمران- الآية .70 قال تعالي: "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون" سورة آل عمران- الآية 71. وقوله: "لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون" سورة آل عمران- الآية .99 ومع ذلك كله لم يؤمن منهم إلا القليل وظل أكثرهم فاسقين وتآمروا مع المشركين بل أقنعوهم أن الوثنية خير من دين محمد. وتحالفوا معهم لضرب تلك الدعوة في مهدها. وهددوا المسلمين بعدتهم وحصونهم وتعالوا عليهم بأنهم مهرة في فن القتال وتحدوهم غداة النصر في بدر وقالوا: لا يغرنك يا محمد إن ظفرت بقوم لا علم لهم بحرب. فلئن قاتلتنا لتعلمن أننا نحن الناس. إزاء هذا تأتي الآية الكريمة: "لن يضروكم إلا أذي وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" سورة آل عمران- الآيتان 111. ..112 تثبت قلوب المؤمنين وتربط علي أفئدتهم وتطمئنهم بما في علمه الذي لا يتخلف من أنهم لن يضروكم إلا أذي. لن يصيبوكم في مقتل ولن يجهزوا عليكم. ستبقي الأمة المسلمة تنشر نور الهدي في الأرض بالرغم من أنف الكافرين أقصي ما يستطيعونه أن يصيبوكم بأذي. سواء كان باللسان أو بالأيدي وهو أذي يحتمل ويقاوم بالصبر والمجاهدة. وبمقدار إيمانكم بآيات الله يكون تحملكم لهذا الأذي. فإن تجهزوا وبدأوكم بالقتال وصمدتم كما أمركم ربكم مقاتلين في سبيله صفاً كأنكم بنيان مرصوص فسيولونكم الأدبار وسيُهزمون شر هزيمة ولن ينصروا. ولا تقولوا كيف يهزمون وعندهم العدد والعُدد والحصون والمؤن. فالله غالب علي أمره سيلقي في قلوبهم الرعب. فهل يستطيعون منعه؟. هل يشارك الله أحد في السيطرة علي قلوب البشر؟ إن المقاتل الذي يحتمي بقنبلة نووية في يده ثم يجد قلبه مرعوباً مضطرباً ماذا تفيد القنبلة؟!. إنه سيرميها خوفاً وهلعاً. وسيأخذها عدوه ليقتله بها وهو مدبر. ثم إن هؤلاء اليهود بالرغم من أنهم أهل كتاب قد ضرب الله عليهم الذلة أينما ثقفوا.. ضربها عليهم كما تضرب الخيام فتغطي كل من بداخلها الذلة محيطة بهم إحاطة تلك الخيام وملازمة لهم. ومثبتة عليهم كما يثبت العرض علي الجوهر. والوصف علي الموصوف ولم يضربها بما يفسدون. بما يفسقون. بما يبغون ويوقدون من حروب يطفئها الله. بما يحيكون من مؤامرات ضد رسل الله جميعاً.. كم قتلوا من أنبياء. وكم قتلوا من مصلحين. وكم أوقدوا نار الفتن؟.. انهم شياطين الانس كما عبر عنهم كتاب الله. فلا يخيفنكم أيها المؤمنون ما تجدونه عندهم من عتاد "إن كيد الشيطان كان ضعيفاً" سورة النساء- الآية 76. كل ما عليكم أن تفهموا طبيعتهم وتتصرفوا علي أساسها. وسيردها الله عليكم وهو الخبير بهم "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" سورة الملك- الآية .14 إنهم يسعون إلي التخلص من هذه الذلة المحيطة بهم. والتي يحسونها في نفوسهم بوسيلتين اثنتين يستعينان بهما -علي علم- في رفع هذا الذل عنهم مؤقتاً. الوسيلة الأولي: هي إيقاعكم في معصية الله حتي يأخذوا حبلاً من الله إذ سيتخلي عن نصرتكم بسبب معاصيكم. سينشرون بينكم إعلاماً مضللاً. وعرياً مبتذلاً. وسيثيرون فيكم الغرائز الهابطة والشهوات الجامحة. فإذا ابتعدتم عن الله ازددتم ضعفاً وتشجعوهم علي هزيمتكم. فإنكم لن تغلبوهم بقوتكم ولكن بقوة الله وحده. الوسيلة الثانية: هي محاولتهم المستمرة أن يتسلقوا علي أكتاف الآخرين كالنباتات الطفيلية. يصادقون القوي الكبري. ويقدمون لهم العون المادي والفني في مقابل الدفاع عنهم وحمايتهم منكم وهذا هو حبل الناس. فإذا وعيتم هذا الدرس ولم تمكنوهم من هذين الحبلين ظلوا علي ما ضربه الله عليهم من ذلة وصغار. ذلك أنهم قد باءوا بغضب من الله حين تكرر منهم الكفر والبهتان وسفك دماء الأطهار والأبرياء. وتعمدهم معصية الله والعدوان علي الآخرين. وقد كان منهم من ينبه إلي خطر هذه التصرفات فيعترض ويحاول الإصلاح ولكنهم كانوا يتغلبون عليه حتي يشاركهم فيما يفعلون.. قال تعالي: "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" سورة المائدة- الآية .79 وإذا كان القرآن يحكي لنا هذه التفاصيل الدقيقة في طباع أعدائنا فهو يهدف إلي مساعدتنا في اتخاذ وسائل النصر عليهم. ويحذرنا في نفس الوقت من الوقوع فيما وقعوا فيه. فاستحقوا غضب الله وانتقامه "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" سورة النور- الآية .63