يتردد بين المثقفين ومدعي الثقافة ومن يطلقون علي أنفسهم "النخبة" قال: إن الإسلام دين يقتصر علي المسجد والصوم إلي آخر العبادات التي يقوم بها الفرد ويستبعدون الإسلام من المشاركة في تنظيم الحياة وعلي الأخص من الناحية السياسية. فقائل إن الرسول ليس ملكاً أو رئيس دولة إنما هو نبي يصلح الأخلاق ويعلم العبادات. وزاد بعضهم في أن الإسلام كنظام سياسي سوف يكون نظاماً دينياً وتكون الدولة دينية الكلمة فيها للحاكم الذي يأمر فيطاع سواء كان أمره خيراً أو شراً إذ أن الله أمرهم بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر منهم ومن ثم فإن نظام الحكم في الإسلام إن طبق يكون نظام حكم الفرد لا مكان فيه لحرية الأفراد أو حرية الأفكار. وإنا لا نعلم هذه الآراء وسندها. والمتأمل في الفكر الإسلامي ومصادره لا يجد أثراً فيه لما سبق. بل إن الإسلام أنشأ أول دولة تتسع لكل الحريات حرية العقيدة حرية الرأي الحرية الشخصية وساري بين النساء جميعاً. وجعل الأمة مصدر السلطات وكفل المرأة حقوقها بل حفظ الإنسان من الضياع والشتات. لقد دجاء الإسلام والناس يستعبدون استعباداً عقلياً واستعباداً آخر أشد وأقسي وهو استعباد الإنسان لأخيه الإنسان. لقد حمي الدين الإسلامي مباديء الحرية فحافظ علي حرية المرأة والرجل والعامل والخادم وألغي الرق البشري. وحرر محمد صلي الله عليه وسلم الأمم من العبودية والاستكانة وطالب المستضعفين أني نفروا من الذلة والهوان وقال صلي الله عليه وسلم : "من أعطي الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس مني" وقال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص "متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً". إن الدين الإسلامي ليقف مع الحريات السياسية للناس فينزل حق الشعب في اختيار حاكمه اختياراً لا يشوبه ضغط أو إكراه ويزكي حقه في تقويم الحاكم وعزله إذا انحرف. ويدعو لحرية النقد ويحرص عليها ويسخر من الذين يقولون إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مهتدون. وينادي بحرية المعارضة وإبداء الرأي فيقول "إذا رأيتم الظالم ولم تأخذوا علي يده يوشك أن يعمكم الله بعذاب من عنده". والأمة في الإسلام مصدر السلطات وهو ما فهمه المسلمون الأوائل لذا نجد الصديق أبا بكر يقول لناس في إحدي خطبه السياسية "أيها الناس إني أستقيلكم بيعتكم إن رأيتم أن تقيلوني بيعتكم فذلكم لكم". ثم يعلن في آخر كلمته أن من حق الشعب الذي اختاره أن عزله فيقول: "إن رأيتموني علي حق فأعينوني وإن رأيتموني علي باطل فسددوني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم". ويقول أبو بكر في خطبة أخري "أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم إن أحسنت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني". ويقول عمر بن الخطاب "من رأي منكم في إعوجاجاً فليقومه" فقال له أعرابي والله لو رأينا فيك إعوجاجاً لقومناه بسلوكنا. وقال عثمان رضي الله عنه : "إذا وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد فضعوا رجلي في القيد". وقال علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه "إن هذا أمركم ليس فيه حق إلا من أمرتم إلا أنه ليس لي أمر دونكم". والحاكم في الإسلام تنتخبه الأمة وهو ما فهمه عمر بن عبدالعزيز حين خطب الناس بعد أن تولي الخلافة قاذلاً: "أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له. وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا أنفسكم" قال الناس يا أمير المؤمنين قد اخترناك ورضيناك فتول أنت أمر المسلمين باليمن والبركة. ومن ثم فإن الإسلام قد قرر أن الحكم هو حق الأمة وحدها وأنها مصدر السلطات كما أن حق الأمة لا يورث وهو ما قرره الصديق أبو بكر حين أجاب رجلاً سأله ألم يترك الرسول نصاً أو وصية لأحد قال أبو بكر "إن النبي صلي الله عليه وسلم خلي عن الناس أمرهم ليختاروه لأنفسهم متفقين لا مختلفين". فليس في الإسلام ما يفرض علي الأمة حاكماً لا ترضاه إذ أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال "من أم قوماً وهم له كارهون فعليه لعنة الله".ومن مباديء الإسلام في نظام الحكم الشوري. قال تعالي "فشاورهم في الأمر". وهذا بعض قليل من بحر زاخر وفيض هائل فهل لنا بعد ذلك أن نقول مع من قال إن الإسلام لا يعرف نظام الحكم المدني وأنه اقتصر علي العبادات في المسجد ولا شأن له في نظام الحكم وأسسه. أو نقول إن الحكومة الإسلامية حكومة دينية يحكمها حاكم ينطق باسم السماء لا معارض له!!.. أيها الناس أعيدوا قراءة الإسلام بعقل ناضج وفكر متفتح.