ارتبك المشهد السياسي بشدة جراء انسحاب القوي المدنية وبعدها ممثلي الكنائس القبطية من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. ودخل مستقبلها في نفق مظلم ولا أحد يعلم مصير اعمالها أو الخطوات التصعيدية التي يمكن ان تتخذها القوي الليبرالية ضدها. وأصبح الجميع يترقب بحذر ويتحسب للخطوة التالية وردود الافعال. ولكن الذي يثير علامات الاستفهام هنا هو توقيت إعلان الانسحاب الذي يأتي في وقت تكاد تنتهي اعمال التأسيسية وتطرح مسودة الدستور النهائية للتصويت عليها داخل الجمعية قبيل طرحها للاستفتاء العام. وأيضا الامر الذي يدعو إلي الحيرة والاستغراب حقيقة ان الاعتراض علي المادة 220 الخاصة بمبادئ الشريعة الاسلامية وتفسيرها وهي السبب الذي تحججت به الكنائس للانسحاب كان قد سبقها مناقشات ومداولات وتم التوصل لاتفاق بشأنها داخل التأسيسية. والامر الأهم هنا هو أن نص المادة 220 يتفق تماما ان لم يكن يتطابق. مع التعريف الذي اوردته المحكمة الدستورية العليا في الدعوي رقم 8 لسنة 17 قضائية عليا والذي ينص علي انه "لا يجوز لنص تشريعي. ان يناقض الاحكام القطعية في ثبوتها ودلالتها. باعتبار ان هذه الاحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا. لانها تمثل من الشريعة الاسلامية مبادئها الكلية. وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلا أو تبديلا ويصبح السؤال الواجب هو: لماذا الاعتراض وما هو الهدف من الانسحاب. وهل من حق الكنائس الاعتراض علي مادة خاصة بالمواطنين المسلمين؟!! تفجرت الأزمة عندما هدد الأنبا بولا ممثل الكنيسة في الجمعية بالانسحاب اعتراضا علي تفسير مبادئ الشريعة الاسلامية الموجودة في المادة 220 في مسودة الدستور. وتأزم الموقف بسبب رفض التيار السلفي داخل الجمعية هذا الموقف. فقد اعتبر محمد سعد الأزهري العضو عن حزب النور في الجمعية التأسيسية أن انسحاب ممثلي الكنيسة سيلغي التوافق الذي تم داخل الجمعية حول المواد الخلافية والتي كانت الكنيسة طرفا فيه. وأكد أن الكنيسة كانت ممثلة في جلسات التوافق بالمستشار ادوارد غالب. والمستشار منصف سليمان. وموقعين علي ورقة بالتوافق علي المادة الثانية والمادة 220 التي تفسر كلمة مبادئ الشريعة الاسلامية والمادة الثالثة معتبرا أن الانسحاب يترتب عليه الغاء الاتفاق وحذف المادة الثالثة من مسودة الدستور والتي تنص علي احتكام المسيحيين واليهود الي شرائعهم في أحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية وستترك للقانون. وأوضح ان الانسحاب لن يترتب عليه تعطيل اعمال الجمعية مبينا ان اللائحة ستطبق علي الذين يتغيبون 5 جلسات متتالية. وسيتم استبدالهم بأعضاء من الاحتياطيين مكانهم. واشتعلت الأجواء في اعقاب اعلان البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية رفضه المادة 220 التي وصفها بأنها مادة كارثية تحول مصر من دولة مدنية الي معني مختلف تماما لذلك وتم تكليف لجنة لصياغة بيان الانسحاب. وتساءل الدكتور نصر فريد واصل. مفتي الديار المصرية الاسبق وممثل الأزهر الشريف في الجمعية التأسيسية. عن السبب الذي دفع ممثلي الكنائس إلي الانسحاب من الجمعية التأسيسية مؤكدا ان جميع المواد بالدستور كانت محل التوافق من الجميع وخاصة المواد 2. و3. و220 التي تتعلق بحقوق أقباط ويهود مصر. قال ان اعتراض الاقباط علي المادة 220 من الدستور الجديد مبهم وغير واضح ولفت إلي أن المادة 220 محل الجدل هي ذاتها التي أتاحت لهم المادة 3 والتي تقر جميع حقوقهم. واعتبر أن عدم انجاز الدستور يدخل مصر في دوامة لا أحد يعلم كيف الخروج منها مضيفا اننا جميعا مسلمين ومسيحيين في مركب واحد والتغيير الذي ننشده يتحقق بالانتهاء من دستور الثورة. ورفضت الجماعة الإسلامية قرار انسحاب الكنائس المصرية من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وعبر الدكتور طارق الزمر المتحدث الرسمي باسم الجماعة الاسلامية عن تخوفه من خضوع الكنيسة إلي ضغوط علمانية وليبرالية من أجل هدم التأسيسية وتقليص وجود الشريعة الاسلامية في الدستور. لأنه يعبر عن الرغبة في فرض الرأي والمواقف علي أكثر من 90% من سكان مصر بإكراههم علي قبول دستور يخلو من حقهم في الاحتكام لشريعتهم في حين ان مسودة هذا الدستور قد أقرت بحق المواطنين غير المسلمين في الرجوع الي شريعتهم في أحوالهم الشخصية. واعترض الدكتور السيد أبو الخير استاذ القانون بالجامعات المصرية والليبية علي انسحاب الكنائس وموقفهم الرافض للمادة 220 مبينا انه ليس من حق الاخوة المسيحيين الاعتراض علي هذه المادة لانها تخص المسلمين. وقال ان الانسحاب دوافعه والتحجج بالمادة المفسرة لمادة الشريعة حجة واهية مشيرا إلي الانسحاب جاء بترتيب مع القوي السياسية التي تريد افشال التأسيسية وعدم اقرار دستور تحت رعاية الاغلبية. وذكر أن القوي الليبرالية هددت بالانسحاب حتي لا تستطيع التأسيسية استكمال عملها وتفشل فلا يقر الدستور قبل ان تحكم المحكمة الدستورية بإلغائها كما هو متوقع في 24 ديسمبر القادم مضيفا ان المادة أقرت ولم تعترض الكنيسة علي ذلك وقت اقرارها واعترض الكنائس الان غير مفهوم ويفتح الباب امام العديد من الاقاويل والطروحات التي لا نريد الخوض فيها. وحذر الدكتور بسام الزرقا عضو الجمعية التأسيسية للدستور ومستشار رئيس الجمهورية من تعمد المنسحبين من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور عدم اعلان الاسباب الحقيقية لانسحابهم علي الشعب. مؤكدا ان موقفهم غير واضح واسبابهم غير جدية وعليهم مصارحة الشعب وذكر المواد المعترض عليها من مسودة الدستور بكل شفافية وأشار الي ان المنسحبين يتحدثون عن امور عامة غير منضبطة والمسئولية تحتم عليهم ان يتمسكوا بالحوار والنقاش وان يطرحوا البدائل ويعلموا الناس بالحقائق مشددا علي أن الاعتزاز بالشريعة فرض وواجب علي كل مسلم ولن يقبل احد التنازل عن شريعته تحت أي ذريعة أو سبب. وقال الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية أن القوي المنسحبة من التأسيسية مطالبة باظهار حقيقة موقفها المتناقض لانها سبق ووافقت علي المواد المعترض عليها ولفت الي ان تدخل الكنيسة في تفسير مباديء الشريعة أمر غير مقبول وعليهم احترام رأي الاغلبية وفق قواعد الديمقراطية مشيرا الي ان ممثلي الكنيسة سبق ووقعوا علي المواد التي يعترضون عليها منذ شهر ولا يوجد ما يعترضون عليه الآن.