العداء لشعب مصر عداء متأصل إذ يملك هذا الشعب من الخصائص والمميزات ما يجعله دائما مناط العزة والنخوة والشجاعة والدفاع عن القيم وإذا نهض من كبوته نهض العالم الإسلامي كله وإذا نهض فلا مجال لسيطرة الغرب أو الشرق. ومن هنا تتركز الضربات علي مصر بالحرب الاقتصادية تارة وبالحرب الإعلامية تارة وبتحجيم القوة العسكرية تارة أخري. وفي إطار الحرب الاقتصادية تأتي الدعوة إلي الإضراب العام أو العصيان المدني. فبدل أن نتعاون في القضاء علي هذا الحصار وذاك التحدي بمضاعفة العمل كما فعلت دول كثيرة أثناء محنتها كاليابان وألمانيا. يطالبوننا بأن نسهم في إسقاط دولتنا. إن القرآن الكريم يحكي لنا عن نملة رأت خطرا يهدد شعبها فصاحت "يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُم لا يَحْطِمَنَّكُم سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" "النمل:18". ونبينا محمد صلي الله عليه وسلم يشيد بموقف الأشعريين المتعاونين وقت الشدة فيقول: ¢إن الأشعريين إذا أرملوا في سفر أو قلَّ ما معهم من طعام جمعوا ما معهم واقتسموه بينهم بالسوية فهم مني وأنا منهم¢ ويجعل من نفسه قدوة في الصبر علي الجوع فتراه يضع الحجر علي بطنه الشريف. ويتحمل الحصار الاقتصادي في مكة ثلاث سنين حتي أكل هو وأصحابه ورق الشجر. إن الأمن المفقود لن يعود إلا بما رسمه القرآن من وسائل. وأهم هذه الوسائل قوة الإيمان فقد ربط الله بينه وبين الأمن والأمانة فقال سبحانه: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمي أُوْلَئِكَ لَهُم الأَمْنُ وَهُم مُهْتَدُونَ" "الأنعام:82". وليتنا نُعلِّم حرّاس الأمن الداخلي وجنود الدفاع الخارجي أنهم بعملهم هذا في مأمن من نار جهنم كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ¢عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله. وعين باتت تحرس في سبيل الله¢. ومن الوسائل المؤدية للأمن الاكتفاء الذاتي وتوفير الضرورات الأربع التي كانت مضمونة في الجنة لأبينا آدم حيث قيل له: "إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَي وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَي" "طه:118.119".وقيل له تحذيرا من كيد الشيطان: "فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَي" "طه:117". وحين نزل إلي الأرض كان عليه أن يحصِّل بجهده: المطعم والملبس والمشرب والمسكن. فإذا توافر له ذلك شعر بالأمان. ومن هنا ربط القرآن بينهما في قوله سبحانه ممتنا علي قريش: "لإِيلافِ قُرَيْشي إِيلافِهِم رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعي وَآمَنَهُم مِن خَوْفي" "سورة قريش".فإيلاف قريش للسعي وتحمل مشقات السفر بين اليمن والشام. كان سببا في إنعام الله عليهم بالطعام وبالأمان. وما كان لسيدنا يوسف أن يدعو أهله لدخول مصر آمنين إلا بعد أن أصلح الدورة الزراعية في خمسة عشر عاما. وحينذاك قال لهم: "ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" "يوسف:99". لقد فجر طاقات المصريين واستخرج ما أودعه الله في أرضهم من خيرات تكفي العالم كله حيث كان طلبه من الملك أن يجعله علي خزائن الأرض بتمكينه من ثروات مصر وكان له ما أراد. إن المحن يمكن أن تتحول إلي مِنَح بالتعاون المثمر في درء الخطر والتكامل بين الأثرياء والضعفاء واستغلال ما أنعم الله به علي شعب مصر من همة وحرص علي المصلحة العامة. وإحسان العمل الدءوب لبناء مصر العزيزة مصر المستقلة. مصر الأبية التي لا تخضع إلا لله ولا تستعين إلا بالله ولا تستعجل الفرج فهو مرتبط بالصبر والأمل والثقة في وعد الله الذي لا يتخلف "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ" "غافر:51". "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ" "آل عمران:139". "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُم إِذ كُنتُم أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً" "آل عمران:103".