* يسأل محمد أبو الإمام من دمياط: يقول الرسول صلي الله عليه وسلم نية المرء خير من عمله.. فكيف تكون النية بلا عمل أفضل من العمل بلا نية مع أن النية لا تحتاج إلي جهد أو مشقة أو تعب. بينما العمل يحتاج إلي جهد ومشقة وتعب؟ ** يقول الشيخ عثمان عامر مدير الإعلام بمنطقة دمياط الأزهرية: الجواب علي هذا السؤال من عدة وجوه: 1 ثبت في الحديث الصحيح أن النية المجردة من العمل يثاب عليها المرء أو يعاقب ففيما رواه البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه يقول الرسول صلي الله عليه وسلم إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً علي قتل صاحبه.. ففي هذا الحديث استحق القاتل النار بالنية والفعل واستحق المقتول النار بالنية التي صاحبها عزم وتصميم دون فعل. وهذا الأصيرم الصحابي الجليل الذي استحق الجنة ولم يعمل ما يؤهله لها إلا النية حيث دخل الإسلام فقاتل فقتل. ولم يكن قد سجد لله سجدة واحدة قبل ذلك. فحسن النية وصدقها هو الذي أوصله لا كثرة العمل. 2 النية تحتمل التعدد والتكثير في العمل الواحد فيتضاعف أجر العامل بعدد النيات فيه. ولا يتأتي ذلك في العمل كما إذا جلس المسلم في المسجد بنية الاعتكاف وانتظار الصلاة. والخلوة عن شواغل القلب. والعزلة. والذكر. وقراءة القرآن ونية حفظ السمع والبصر واللسان عما لا يعنيه. فإنه لا يكون بحال من الأحوال كمن جلس لأحد هذه الأعمال فقط. فالنية أشمل وأعم من العبادة. لأن العمل والتعبد يكون بالطاقة والوسع بخلاف النية فإنها تفوق الطاقة والوسع. 3 من نوي الخير وعمل منه مقدوره وعجز عن إكماله كان له أجر من عمله بالفعل وأتمه. روي البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً. ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم. قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر. وروي مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : من دعا إلي هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن دعا إلي ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه من غير أن ينقض من أوزارهم شيء. 4 النية تدوم والأعمال لا تدوم. لأن الإنسان ينوي أن يعمل الخير ما بقي. ولا يستطيع أن يعمل الخير ما بقي. ولذا قيل: الخلود في الجنة جزاء النية لأن المكلف كان ناوياً أن يطيع الله تعالي أبداً لو بقي أبداً. فلما أدركته المنية دون إتمام ما كان في نيته جزاه الله عليها. لا جزاء العمل. وإلا لكان مكثه في الجنة بقدر عمله أو اضعافه. وكذا خلود الكافر في النار لأنه لو كان مجازي بعمله لم يستحق التخليد في النار إلا بقدر مدة كفره. غير أنه نوي أن يقوم علي كفره أبداً. فجازاه الله تعالي علي نيته. 5 النية لا يدخلها فساد بخلاف الأعمال الظاهرة فإن النية أصلها حب الله ورسوله وإرادة وجهه. وهذا هو نفسه محبوب الله ورسوله. مرضي الله ورسوله. والأعمال الظاهرة تدخلها آفات كثيرة. وما لم تسلم منها لم تكن مقبولة. ولذلك كانت أعمال القلب المجردة أفضل من أعمال البدن المجردة. كما قال بعض السلف قوة المؤمن في قلبه وضعفه في جسمه. وقوة المنافق في جسمه وضعفه في قلبه. ومعني ذلك أن النية لا يدخلها الفساد المتمثل في الرياء وإغواء الشيطان ووسوسته وغير ذلك كالعمل. فهي أقرب إلي الإخلاص لله تعالي من العمل. 6 القلب ملك البدن. والأعضاء جنوده. فإذا طاب الملك طابت جنوده. وإذا خبث الملك خبثت جنوده. والنية عمل الملك بخلاف الأعمال الظاهرة فإنها عمل الجنود. ولهذه الأمور كانت النية أفضل من العمل. مع أنها لا تتطلب أي مشقة أو تعب.. رزقنا الله وإياكم النيات الصالحة.