يؤكد الدكتور عبدالحميد أبو سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن ان النهضة الإسلامية لن تتحقق إلا بالإصلاح معتبراً أن غياب الجودة في المجال التعليمي هي أهم الأسباب التي حولت المسلمين إلي أمة غثاء كغثاء السيل مشيراً إلي أن الغرب عندما أضعف المسلمين لم يكن يعي أن غياب المسلمين عن الإسهام الحضاري سيؤدي إلي إضعاف الحضارة الإنسانية كلها ولهذا فالغرب يصنع المستحيل اليوم لإقالة الأمة من عثرتها. "عقيدتي" التقت د. أبو سليمان وخاضت في جوانب فكره ورؤيته لأوضاع الأمة وكيفية وضع خارطة الطريق الإصلاحية لأمة الإسلام وذلك في سياق الحوار التالي: * كيف تنظر إلي واقع الأمة الإسلامية في الوقت الحالي؟ الأمة الإسلامية اليوم تمر بأسوأ حالاتها ورغم ثورات الربيع العربي التي ظننا جميعا انها ستساهم في إيقاظ المسلمين من سُباتهم إلا أن الواقع كذب ذلك للأسف الشديد مما يعني أن ثقافة الأمة المعاصرة بها خلل يحتاج إلي إعادة نظر بحيث تصبح بالفعل خير أمة أُخرجت للناس. فالإسلام والقرآن الكريم رسالة للإنسانية جمعاء وليس لأقوام بعينهم. ومن هذا المنطلق علينا أن نعرف كيف كان يعيش المسلمون الأوائل في صدر الإسلام بإمكانيات محدودة ومع ذلك استطاعوا نشر الإسلام في العالم بالحكمة والموعظة الحسنة. وكيف أصبحت الأمة اليوم بكل مواردها وإمكاناتها علي هامش التاريخ وأخرجت نفسها عمداً من عباءة التاريخ. فالأمة كانت بالماضي صانعة للتاريخ أما اليوم فقد خرجت للأسف الشديد من عباءته بسبب انسلاخها من منهجها الصحيح ألا وهو منهج الدعوة الفكرية. * وماذا تحتاج الأمة حتي تستيقظ من سُباتها مثلما تقولون؟ * * ان الأمة في حاجة إلي "الاستغفار الحضاري" بدلاً من "الاستغفار اللفظي" الذي غرقت فيه الأمة الآن وتناقضت الأقوال مع الأفعال فاليوم كل مسلم يظن انه باستغفاره الدائم علي سبحته يغفر الله له ذنوبه كلها ولكن الحقيقة ان الأمة في حاجة للعمل ثم العمل حتي يغفر الله لها إهمالها في حق الدين الخاتم مما جعلها سُبة في جبين الإنسانية بعد أن أقام أجدادنا أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية ولهذا فعلينا أولا بإصلاح التعليم ولابد أن تعتمد خطتنا لإصلاح التعليم علي الدين الإسلامي بحيث نستمد منه القيم التي نادي باتباعها ولابد أن ندرك ان ابتعادنا عن الدين هو الذي ساهم في غربتنا الحضارية التي نعيشها اليوم ولنا في المواطن الغربي العبرة والعظة في ذلك فالإنسان الغربي شرس متعصب للونه وقوميته رغم ما حققه من تقدم مادي وحارب الدين بعد أن أصبح أسيراً للماديات فحقق فيها النجاح إلا انه فشل في الحفاظ علي كرامة البشر من غير أجناسهم أو قومياتهم علي عكس الإسلام الذي حارب كل أشكال التمييز والتفرقة بين البشر بسبب الجنس أو اللون أو اللغة ولابد من الاعتزاز بديننا ولغتنا وهويتنا مثلما يفعل الصهاينة بدلاً من وصف من يتصف بها بالرجعية والتخلف ولهذا لابد من تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تعاني منها الأمة الآن حتي أصبحت الأمة التي يأمرها دينها بالعمل ويبلغ عددها أكثر من مليار وربع المليار وغنية بالثروات الطبيعية ومع هذا فإن انتاج اليابان التي اهتمت ببناء البشر رغم فقرها في الموارد يزيد 11 ضعف عن إنتاج كل الأمة المسلمة. صحوة عبادات * ولكن الأمة الإسلامية لم تتخل عن دينها مثلما تقولون والدليل ان هناك من يؤكدون وجود صحوة دينية واضحة في ربوع الأمة؟ * * نعم هناك صحوة إسلامية ولكنها صحوة عبادات فحسب ولم تخرج إلي حيز التطبيق فالمواطن المسلم يدخل إلي المسجد خمس مرات في اليوم ولكنه يخرج من المسجد دون أن يستفيد شيئاً وسأصدمك وأقول لك ان الأمة الإسلامية اليوم لا تحب الله بل تخاف منه وذلك لأنها خوطبت بخطاب دعوي قائم علي الجحود لا علي الحب فنحن مثلاً نقول للطفل أنت لابد أن تحب الله فيسأل الطفل من هو الله وبالطبع لأنه لا يراه لا يشغل نفسه بالتفكير ولكن لو قلنا له ان الله يحبه فالطفل في ذلك الحال سيفرح ان هناك من يحبه ويبدأ يعمل عقله في التفكير وهكذا لابد أن يتغير خطابنا التربوي والدعوي إذا كنا نهدف إلي بناء حضارة حقيقية ولابد أن نعي أيضا ان ضعفنا لم يضر أمتنا فحسب بل أضر بالحضارة الإنسانية كلها. * تؤكدون ان ضعف المسلمين لم يضرهم فقط وإنما أضر بالإنسانية كلها كيف هذا والغرب تورط بشكل مباشر أو غير مباشر في إضعافنا؟ * * نعم كلامك حقيقي ومنطقي والغرب بالفعل سعي لإضعافنا بشكل أو بأخر ولكن من حاول إضعافنا لم يدر انه يضر نفسه أيضا وأنا أري ان أضرار تخلف الأمة الإسلامية وضعفها وتمزقها وعجزها وقصور أدائها لم يقتصر علي أبناء الأمة الإسلامية وحدهم ولكن الأثر السلبي لذلك امتد إلي حجب نور رسالة الإسلام العالمية وهدايته الكلية الروحية والأخلاقية. مآسي الإنسانية * معني هذا اننا مسئولون أمام الله عن المآسي التي تمر بها الإنسانية الآن وخاصة في الغرب الذي تعايشون حضارته؟ * * نعم لأن ما أصاب الإنسانية بسبب استعلاء الرؤية الكونية المادية الجاهلية العنصرية ومن عالمية الحروب والصراعات والتظالم ومآسي الاستعمار سيكون أشد حدة وأكثر ظلماً وقسوة وستتعاظم هذه المظالم بتعاظم وسائل القوي وأدواته في عالم تسيطر عليه نفسية التمايز وجشع المادة وقسوة المنافسة واستكبار الأقوياء ولنا أن نتخيل عظم جريمتنا في حق الإنسانية في ظل جشع الأقوياء ومضاعفة أعداد الضعفاء والبؤساء من ملايين الثكلي والحياع والعراة والمرضي من المعدمين البسطاء من النساء والشيوخ والشباب البائس وأشلاء الأطفال والرضع الذين لا يجدون ما يبل عطشهم ويسكت آلام جوعهم وجوع أمهاتهم في ظل تدافع قبضات الأقوياء من تعديات الطغيان وقسوة الاستبداد وما أحدثه من الإفساد والدمار حيث لا رادع له في ظل الضعف والعبودية والذل الذي يعيش فيه المسلمون أصحاب الرسالة وورثة حضارة عظمي ويصبحون الآن فريسة للفقر والجهل والمرض والقهر والمظالم. * هل يعني هذا انك تؤمن ان خلاص البشرية من أمراضها يكمن في تحرك المسلمين؟ * * بالتأكيد لأن استيقاظ ونهضة العالم الإسلامي ليس استنفاذاً لخمس البشرية فقط لكنه استنفاذ لمستقبل الإنسان ولحضارة الإنسانية التي تتهددها وحشية الغاب ونتن العنصرية وتعاظم طاقات الخراب والدمار وهذا الاستيقاظ والاستنقاذ ليس قضية مشاعر ورغبات بل يتطلب عمل وجهد علمي منهجي منضبط منظم يؤدي إلي تنقية الإسلام مما شاب فهمه وثقافته علي مدي تاريخ شعوبنا من موروثات ثقافتهم الغابرة وتقاليدهم البالية وانحراف ممارساتهم وظلامات تعدياتهم وما ألحقوا به من خرافات آبائهم وشعوذات كهانهم وأكاذيب أصحاب الأغراض الدنيئة منهم وافتراءاتهم. مفاهيم القرآ * كيف تنظر إلي الخطاب الإسلامي الحالي وكيف تنظر إلي من يحاول اختزال الإسلام في نظام العقوبات والحدود خاصة في الفترة التي أعقبت ثورات الربيع العربي؟ أولاً لابد أن نفهم مفاهيم القرآن في نظام الحكم فكلها تدور حول إقرار مبادئ العدل. وكذلك أسماء الله الحسني فيها "الغفور. الرحيم. الودود" إلي آخره وفيها "القهار. المنتقم. الجبار". وإن خطأ الخطاب الإسلامي الحالي هو تسلط كثير من الناطقين باسم الدين تبعاً للإرادة السياسية. وأخذوا يتحدثون مع المسلمين بخطاب الوعيد والترهيب مقتصرين علي اتجاه "الجبار. المنتفم. القهار" فقط وهذا أمر مرفوض. ولكن المؤمن الذي يريد أن يكون صالحاً فهذا يعصي ربه ويعود إليه يقول تعالي: "والذين آمنوا أشد حباً لله" فعلاقة المسلم بربه علاقة محبة واتجاه إلي أسمائه عز وجل "الغفور. الرحيم. الودود" فالمسلم يخاف من غضب ربه خوف غضب المحب وهو خوف إيجابي. ومن هنا الخطاب الإسلامي يجب أن يفرق بين الكافر والجاحد وبين المؤمن ومن يحاول أن يكون صالحاً. ويجب أن يقوم الخطاب الإسلامي علي التربية الصحيحة ومواجهة ثقافة الكذب التي تستشري في أبناء الأمة الإسلامية . * وكيف تنظر إلي حالة الصراع والحروب التي يعيشها العالم شرقاً وغرباً وما هو الفارق في ذلك بين الغربي والمسلمين؟ فلسفة السلام الوحيدة هي فلسفة الإسلام وأن فلسفة الغرب هي فلسفة الصراع. والإنسان تداخل فيه الروح والطين والطين منحط بدأ الله عز وجل خلق الإنسان من طين ثم سواه ونفخ فيه من روحه. فالإنسان يشترك مع الحيوان في الطين وفي الحياة ولا يشترك معه في الروح. وإن مرحلة الطين عند الحيوانات العليا كان الإنسان فيها حيوان شرس وسئ "قالوا أتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك" ولذلك فالمسلم يسمو بروحه عند تمسكه بدينه. ولكن الغرب عندما تخلي عن الدين كان لابد أن يرتد إلي طبيعته المادية الطينية فتحول إلي حيوان مفترس شرس. ومعروف في العلوم السياسية ان قيام النظام الدولي علي أساس قومي ظاهرة أوروبية حديثة وهذا هو تكاتف السلالة ضد الآخر وهو ما أدي إلي وجود حروب دامية فيما بينهم من ناحية واشتياقهم الدائم إلي سفك دماء الآخرين ونهب ثرواتهم وهذا ما نراه جلياً في العالم اليوم. وفي المقابل نجد المبادئ الإسلامية الراسخة التي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وترسخ للتعددية والاختلاف والتراحم والتعاطف والسلام وهذا ما يفقده الغرب فالإسلام للإنسان ونحن حرمنا منه بإرادتنا ولابد أن نستعيده حتي يمكننا صناعة السلام للمسلمين.