إذا كانت أوراق النهضة قد دونت في بواكير عصرها علي هواجس الاستجابة لتحديات الحداثة ومتغيرات العصر. فإن إشكالات النهوض العربي والإسلامي لاتزال متلبسة في ضوء مسافات الفصل بين الديني والعلماني بمشكلتين: إحداهما: قلة البحوث المتصلة بأولويات النهوض والتجديد. وثانيهما: ندرة البحوث المتصلة بأسئلة التكامل بين مختلف النخب الفكرية والدينية والسياسية. ما يعني بالضرورة صعوبة الحديث في زمن لا أمل فيه بالنهوض إلا أن يأتي متساوقاً مع مكونات المجتمع ومقوماته الذاتية علي مرتكز تصحيح العلاقة بين الفقيه والمثقف والسياسي تحت سقف الوطن الواحد والأمة الواحدة. بمعزل عن اختلاف الباحثين حول تعريف المشروع النهضوي العربي وتطوراته. إلا أن من الصعوبة بمكان تأطيره داخل الحقب الممتدة من نهاية القرن الثامن عشر حتي النصف الثاني من القرن العشرين. ولقد اختلفت مع صاحبي حول مفهوم أوراق النهضة فرأيت فيها أوراق الخريف العربي. ورأي صاحبي فيها بقية من بقايا الشجرة العارية. ولعل اشتباكات الأسئلة حول ما يجري في اللحظة الراهنة من هبات الشعوب بين من يري فيها انبلاجاً لفجر عربي جديد وآخرون يرون فيها انحطاطاً في ظلام جديد يكاد يختصر المشهد حول قضايانا القديمة والجديدة عنيت بها السجال المفتوح علي الجانب الاجتماعي والأخلاقي من التجديد باعتباره مرآة من مرايا الصراع حول منظومة القيم والمفاهيم التي تحكم منهاج التفكير العربي بعامة والتفكير الديني بخاصة. وعندي أن القرآن الكريم لم يشأ في جميع ما يتصل بتنظيم الحياة الإنسانية إلا أن يدلنا علي ميزان المعيار من تلك النظم في جوانبها الفلسفية والفكرية. وعلي ميزان الأخلاق في جوانبها الأخلاقية والاجتماعية فيما نستوحيه من ثقافة التعارف والتعاون والتنافس والتكامل واعتبار ذلك كله من البني التحتية لعمران المرتجي من النهضة والتجديد والإصلاح. غير أن شعارات الإسلام هو الحل. والإسلام يصلح لكل زمان ومكان لا تعني شيئاً علي أرض الواقع طالما أن الفقه الإسلامي لايزال منغلقاً علي نزعات مذهبية وطائفية تعني بصياغة فقه الأفراد.. وتذهب بعيداً في تقديس شخصية الفقيه أو المذهب علي حساب المضمون الجوهري لإنتاج فقه عالمي يعني بفقه الإنسان وفقه الحضارة. وبمعزل عن العوامل التاريخية لأزمات الفقه الإسلامي ومشكلاته فإن الاختلاف الحاد بين المذاهب الإسلامية هو اختلاف علي مناهج الاجتهاد وضوابطه وقواعده وشروطه. وكما أسئ في الماضي فهم المساحات المتعلقة في الجانب الإلهي والجانب البشري من الدين. يتم الآن إساءة الفهم المتعلق بمقولة "لا اجتهاد مع النص" حيث خيل لكثيرين من الفقهاء ان النصوص الشارحة للنص الأول لا تقبل شيئاً من المراجعات الفقهية فضلاً عن الجدال حولها.. ولاتزال قضية المزاوجة بين العقل والدين أو بين الثابت والمتحرك من مفاهيمه مؤجلة بفعل الإشكال الأخلاقي الذي بالغ في تقديس السلف الصالح إلي حد تكفير الاعتراض عليه. وإذا كان الأمر في تجديد أصول الفقه قد اقتصر في معظم نقاشاته حول مباني الأحكام الشرعية في فقه العبادات والمعاملات. إلا أن إشكالات التجديد في المباني والموضوعات انتهت في تداعياتها إلي انقسام المرجعيات حول الفقه السياسي والفقه العلمي فيما شهدناه من تناقضات الفقه الإسلامي من قضية الاستعانة بقوات الأطلسي عشية غزو الكويت وعشايا الحديث عن مشروعية التدخل الأجنبي في ليبيا وسواها من عواصم العرب. صحيح ان أوراق النهضة قد تمزقت علي مدي قرون من استبداد السلطة وبيروقراطية النخب واستشراء الأمية الدينية والسياسية إلا أن أخطر ما في تلك الأوراق انها لجأت إلي التشدد والعصبية والانغلاق في التزام رؤيتها الإصلاحية بفعل نزوعها إلي وضع علاقتها مع الآخر المخالف أو الآخر النقيض موضع التخوين والتكفير. وبذلك فقدت تلك الرؤي والتيارات قوة تأثيرها لتغدو في ملابسات نشوئها وتشكيلها جزءاً من الفتن الدينية والسياسية التي يضج بها المسرح العربي في لحظة انتحاره المشغول بحديث الحرية والإصلاح والتجديد. إذن وبكلمة موضوعية يجب الاعتراف ان مسألة التجديد في خطابنا الإسلامي وفكره لم تطرح من منظور يرفض منجزات السلف الصالح. كما لم تطرح من منظور يرفض منجزات الحضارة الحديثة. بل علي العكس لقد طرحت قضايا التجديد في إطار الاجابة عن أسئلة الهزيمة والجهل والتمزق والأمية التي استشرت بواقع المسلمين فتداعي عليهم الأمم تداعي الأكلة إلي قصعتها ما يعني من وراء ذلك كله ان هواجس التجديد الإسلامي تنشد إصلاح الواقع الإسلامي المأزوم في سياق الهداية القرآنية إلي التغيير.