ترقب العديد من القوي السياسية في مصر الجمعة الماضي المظاهرات التي خرجت تدعو لاسقاط دولة المرشد وتقنين وضع الاخوان ورغم فشل تلك الدعوات وتراجع أبرز الداعين اليها قبل المظاهرة بأيام الا أن من أهم ما حدث هو إجماع كافة القوي السياسية والوطنية من مختلف ألوان الطيف علي مقاطعة هذه المظاهرة ولم يخرق هذا الاجماع سوي قوي يسارية أبرزها حزب التجمع بزعم التخوف من الدولة الدينية التي يسعي الإخوان والسلفيون لاقامتها وكذا مواجهة محاولات ¢أسلمة الدستور¢ والتخلي عن الدولة المدنية وبخاصة بعدما اعلنت لجنة صياغة الدستور عن الانتهاء من صياغته واعلانه بشكل كامل في الحادي عشر من سبتمبر القادم. والناظر في طرح حزب التجمع لهذه المسألة منذ قيام الثورة يجده يرتبط دائما بقرب مرحلة الحسم وخلاصة لصراع تاريخي صنعته دولة العسكر بين اليسار من جانب والاخوان والتيارات الدينية من جانب آخر إذ تكرر هذا الكلام علي لسان مسئولي الاحزاب اليسارية منذ العهد السابق مرورا بقيام الثورة ثم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية ثم الانتخابات البرلمانية ثم تشكيل الجمعية التأسيسية الأولي ثم الانتخابات الرئاسية في بدايتها ثم اعادة تشكيل الجمعية التأسيسية ثم الآن مع قرب الانتهاء من وضع الدستور الجديد وكل هذا التسلسل التاريخي لتلك المواقف ليعكس كم هي المزاعم والتخوفات التي يسوقها اليسار ويناصره بالطبع في تلك الفكرة كل من الاحزاب الاشتراكية التي انبثقت في معظمها من خلاله وأحزاب ليبرالية منها المصريين الاحرار والمعروف بميله لطرح تلك المخاوف التي تحمل نزعة طائفية. كان حزب التجمع قد أصدر بيانا أيد فيه مظاهرات 24 أغسطس لرفض مشروع الدستور الإخواني السلفي ودولة المرشد. مطالبا باحترام معطيات الدولة المدنية كاملة. واحترام حقوق المواطنة والمساواة بين المصريين النساء والرجال والمسيحيين والمسلمين والأغنياء والفقراء. وتحقيق العدالة الاجتماعية. وفرض ضرائب تصاعدية. مع التأكيد علي حرية الاعتقاد والتعبير والإبداع. أكد سيد عبد العال الأمين العام لحزب التجمع. أنهم شاركوا للمطالبة بحل التشكيل الحالي للجمعية التأسيسية للدستور الفاقد للشرعية. وتحقيق مطالب العدالة الاجتماعية للثورة. وتطبيق الحد الأدني للأجور. دولة ¢أولاد المرشد¢ وقال حسين عبد الرازق عضو المكتب السياسي لحزب التجمع: علي الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية أن يعود عن أية ممارسات خطيرة نحو تأسيس دولة دينية تتجاوز التفويض الذي حصل عليه ممن منحوه أصواتهم. خاصة أن تلك الممارسات قد تؤدي إلي انقسام خطير بالمجتمع يترتب عليه آثار سلبية تضر بسلمية الحياة بين المواطنين.. مشيرا الي أن الذين منحوا أصواتهم للدكتور محمد مرسي لم يكن يعلم أحدهم أنهم منحوه تفويضا لتفكيك الدولة المدنية التي ناضل الشعب المصري لأكثر من 200 عام من أجلها لإقامة دولة أخري دينية يطلق عليها البعض ¢أولاد المرشد¢. لذا فإن الرئيس مطالب بأن يكون رئيسا لكل المصريين ولا تمنح المزايا لفصيل سياسي واحد. أشار الي ان تخوف الحزب من إقامة الدولة الدينية في مصر لم يأت من فراغ وانما له اسبابه المنطقية الملموسة والتي من بينها سيطرة النزعة الدينية الطائفية علي كافة ممارساتنا السياسية خاصة بعد الثورة التي التهم نتائجها الاخوان وسيطروا علي مقدرات البلاد وأخذوا يتعاملون مع البلد بأسوأ مما كان يتعامل النظام السابق ولا يعطون مساحات حقيقية للديمقراطية وهناك سيطرة اخوانية علي كافة مؤسساتنا السياسية ولعل الشاهد علي ذلك ما حدث في البرلمان ثم الجمعية التأسيسية الاولي ثم التأسيسية الحالية وعجلة الاخوان للسيطرة علي كل المؤسسات لربما يفقدهم اياها وبشكل ديمقراطي كما تسلموا البلد بديمقراطيتهم الزائفة التي لم تعتمد علي برامج سياسية وانما فقط علي انتماءات طائفية دينية لا علاقة لها بالممارسة السياسية . مدنية ويفند الدكتور عمار علي حسن - خبير الاجتماع السياسي - القضية برمتها فيقول :مصر دولة مدنية والدين لديها وسطي والصراع بين الدولة الدينية والمدنية هو تصفية حسابات. ومن يريد أن يحكم هذا الشعب يجب أن يفهمه أولا. ومشكلة التيار الديني عدم قدرتهم علي إنتاج خطاب لطمأنة الشعب فالشريعة مطبقة بالكامل في الدولة المصرية وفي القوانين.. مشيرا الي أن الإخوان بعد الثورة ظنوا أنها لحظة التمكين كما ظن السلفيون أنها لحظة تطبيق الشرع والواقع أن هذا التيار يكسب بالمشروع المدني ومثال علي ذلك تكوين التيار السلفي لحزب مما يعد تقدما الإمام . وما يدور في مصر الآن من صراع بين الدولة الدينية والمدنية ما هو إلا باب الدعاية السياسية لحصد المقاعد والمناصب. أضاف : طرح بعض القوي السياسية لمخاوفها من قيام دولة دينية في مصر هي مخاوف مشروعة لكنها في الاصل تعكس ذلك الصراع السياسي الطويل بين التيارين الديني والمدني .. مؤكدا ضرورة التفريق هنا بين الصراع أو التفاعل مع طبيعة تدين الدولة المصرية والتزامها بالوسطية ونبذ التشدد والتطرف الفكري والمنهجي وبين صراع تلك التيارات مع الدين ذاته والفارق واضح لكن أحدا من الجانبين ربما لا يتفهم ذلك وهذا سبب الاشكالية الحقيقية بين التيارين وهو ما يوجب علي من بيده السلطه ان يبعث برسائل طمأنة بشكل واضح للتيارات الاخري تكن لها ترجمة علي ارض الواقع وليس مجرد كلام وفقط . وفي المقابل رغم كون المخاوف من الدولة الدينية قائمة الا انها أحيانا يبالغ فيها من قبيل الصراع السياسي والبحث عن توصيف علي الطاولة السياسية وهو ما يجب التنبه له. الفقر السياسي ويري الدكتور صفوت عبدالغني - القيادي بحزب البناء والتنمية - أن مخاوف قوي اليسار من الدولة الدينية لا اصل لها لأنه لا يوجد في الاسلام ما يسمي بالدولة الدينية وانما الاسلام أول من أسس للدولة المدنية المعتمدة علي المؤسسات والتي تتخذ من الشوري أساسا رئيسا لاتخاذ القرار وهو مالا تريد تلك القوي تفهمه وما يحدث علي أرض الواقع لهو تأكيد علي الا وجود للدولة الدينية فالرئيس محمد مرسي وهو المنتخب بشكل ديمقراطي كامل شهده الجميع لم يعين نائبا اخوانيا بل جاء بشخصية وطنية معروفة بنضالها السياسي واستقلاليتها كما أتي برئيس حكومة لا علاقة له بالاخوان ولا التيارات الدينية وانما مثل مفاجأة للجميع بما فيهم الاخوان انفسهم وشكل حكومة تكنوقراط لا نسبة لأحد فيها وما نتج عن ذلك من تمثيل بسيط للاخوان جاء في اللحظات الاخيرة وربما الموقف الغاضب لحزب النور يعكس خلاصة تلك المسألة . بين عبدالغني أن الفقر السياسي وغياب التفاعل الحقيقي لمعظم تلك التيارات وانعزالها عن الجماهير وقضاياهم يجعلهم يستدعون معارك افتراضية لا اساس لها وربما هي ايام تفصلنا عن اعلان لجنة صياغة الدستور ويقدم برهانا جديدا علي زيف ادعاءاتهم .. مؤكدا ان هناك العديد من النصوص القانونية التي سعت الكتلة الاسلامية في البرلمان لسنها وذلك ليس من منطلق ديني فقط وانما ايضا من منطلق اخلاقي وحماية للمجتمع من القوانين التي سن معظمها الفرنسيون وتمثل عزلا للامة عن مشاربها الاصيلة وتعديلها امر واجب ولا علاقة له بفرض الدولة الدينية التي يطرحها البعض كفزاعة وهمية من الاسلاميين الذين هم من أحرص ما يكونون علي طمأنة المجتمع وبناء دولة مدنية دينها الاسلام وتقوم علي اسس ديمقراطية تعكس أيضا الشوري التي تعلمناها من ديننا وكذا مؤسسات قائمة بذاتها تبني دولة عصرية بأسس وطنية تتسم بسمات هذا الشعب المتدين بفطرته.