الأمم لا تحيا ولا تقوي ولا تنال العزة إلا بالتوافق.. أما اليوم في مصر فالجميع يتفنن في الاستقطاب والنزاع وصناعة الأزمات.. فتارة يكون الاستقطاب بين الإسلاميين والليبراليين والعلمانيين.. وتارة يحتدم الصراع بين الثوريين والمجلس العسكري.. وأخري يثور النزاع بين الإسلاميين والإعلام والصحافة.. وفي أوقات يشتد الاستقطاب بين الإسلاميين والمسيحيين.. أو بين البرلمان والحكومة.. أو بين الثوريين والقضاء.. وآخر هذه الاستقطابات الحادة تلك التي حدثت بين القضاء والبرلمان.. أو بين السلطة القضائية والتشريعية. والمفروض أن كل هذه القوي الوطنية تتكامل وتتناغم وتتآلف لبناء الوطن.. فلن يستطيع الإسلاميون وحدهم بناء الوطن. ولن يستطيع المسيحيون أو الليبراليون أو الثوار وحدهم بناء الوطن كذلك.. ولن يستطيع البرلمان دون القضاء بناء مصر.. ولن يستطيع الجيش وأجهزته الأمنية وحده بناء مصر. فلن تبني مصر بيد واحدة دون الآخرين ولن تبني مصر بيد تصطدم بالآخرين.. أو تقصيهم أو لا تتعاون معهم. إن الخلاف بين البرلمان والقضاء ليس في مصلحة أحد.. وهو ضار بالوطن وبالفريقين معا.. ولن يكون إصلاح القضاء بشتم وسب القضاة. من أراد أن ينقد حكما قضائيا فلينقده عبر الاستئناف والنقض.. وهما آليتان قانونيتان للطعن في الحكم ونقده ونقضه.. أما شتم القاضي أو سب القضاة فهذا سيؤلب جميع القضاة علينا. وهل كل من هب ودب يتحدث في القانون ويظهر العلم بفنون التقاضي.. وهل سيظل البعض كلما رفضوا حكما شتموا القضاة الذين أصدروه.. فإذا أعجبهم حكم آخر مدحوا قضاء مصر الشامخ.. فهل قضاء مصر شامخ حقا.. أم هو عميل حقا؟ أليس هؤلاء القضاة الذين يتهمهم البعض بتزوير انتخابات الرئاسة هم نفس القضاة الذين أشرفوا علي انتخابات مجلسي الشعب والشوري الذي جاء بالإسلاميين إلي البرلمان؟!!.. فهل هم عدول.. أم مزورون ؟!! لن يكون إصلاح القضاء بهدمه ثم محاولة بنائه حسب قواعدنا نحن.. فقد يستطيع البعض هدمه ولكنهم قد لا يستطيعون بناءه من الأصل.. كما حدث مع الشرطة التي انهارت فانهارت معها أشياء كثيرة من الأمن والأمان كنا في أمس الحاجة إليها في وقت الأزمات.. ولن يكون إصلاح القضاء بالنيل منه ليل نهار أو بتوبيخ القضاة. أليس هذا القضاء هو الذي أنصف الإسلاميين آلاف المرات في عهود الظلم المختلفة؟!. أليست هناك آلاف الأحكام التي صدرت عن منصة القضاء ووقفت ضد ظلم مبارك وغيره؟!. ألم ينصف القضاء آلاف الإسلاميين سواء القضاء الجنائي أو الإداري؟!. ألم ينصرهم في قضايا النقاب والعودة إلي العمل والتدريس والجامعات؟! وهل كل قاض لا يعجبنا حكمه أو لا يروق لنا طريقته في الفصل في القضايا المعروضة أمامه نصب عليه جحيم السباب والشتائم.. ولا نكتفي بذلك بل نسب القضاة جميعا وهذا سيهدم أهم مؤسسة سيادية مصرية عريقة عراقة الزمان حتي وإن أخطأ بعض أبنائها. يا أحبتي الإصلاح لن يأتي إلا بالتدرج والأناة.. ويكون بإخراج لبنة فاسدة وإدخال لبنة صالحة مكانها. ولن يصلح القضاء إلا القضاة الصالحون أنفسهم دون تدخل من أحد من الخارج.. ولن يصلح الأزهر إلا أبناءه المخلصون.. ولن يصلح الحركة الإسلامية إلا الإسلاميون أنفسهم.. ولن يصلح الشرطة إلا ضباطها المخلصون الصالحون الذين يعرفون مواطن العطب وطريقه الإصلاح.. ولن يصلح مجتمع رجال الأعمال إلا المخلصون منهم.. ولن يصلح البرلمان إلا النواب الصالحين أنفسهم. ولن يصلح الجيش إلا ضباطه الكبار المحبين له والمخلصون له دون تدخل من أحد. ولن يصلح الأجهزة الأمنية إلا رجالاتها المخلصون والذين لهم كلمة مسموعة فيهم.