صدق أو لا تصدق.. مازال هناك أطباء يرون حياة البشر أرخص من مائة جنيه لا تكفي لشراء اثنين كيلو من اللحوم.. حدث هذا في مستشفي المبرة بالإسكندرية حيث ترك الاطباء المريضة صباح جاد الرب مصابة بالتسمم حتي لفظت أنفاسها الأخيرة لأنها لا تملك مائة جنيه رسوم دخول المستشفي وإجراء إسعاف سريع لها.. صحيح أن هؤلاء نقطة سوداء في الثوب الأبيض إلا أن إهمالها وتجاهل عقاب مرتكبي تلك الجريمة يهدد بأن يجعل ثوب الأطباء كله أسود إلا من بعض النقاط البيضاء التي تعد استثناء.. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق حول حكم الشرع في تلك الجريمة النكراء وكيفية التصدي لمرتكبيها. في البداية قالت الدكتور عزة البنا استاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر: حال المستشفيات المصرية يرثي له فهي تعاني ضعف الإمكانيات ونقص الأدوات وانعدام ضمير بعض القائمين عليها وليس الكل لأن هناك أطباء مخلصون يراعون الله في عملهم ويعطون المريض حقه في الرعاية والاهتمام ولا يعيرون للمادة أدني اهتمام وليس هذا فحسب لأن غياب الرقابة الفعلية وليست الصورية علي المستشفيات الحكومية أو الخاصة جعلها تكتظ بالمخالفات والتجاوزات لذا نحن في حاجة إلي إعادة النظر في سياسة هذه المستشفيات وتوقيع أقصي عقوبة علي كل من يثبت تخاذله أو إهماله فإذا قمنا بهذا حقاً نجحنا في تقليل مشاكل كثيرة تنخر في المجتمع المصري وتبدل حالنا للأفضل. وأضافت: أنا لا أنكر وقوع هذه الكارثة لكنني أتحفظ علي بعض أجزائها فكيف بامرأة بسيطة كهذه تعيش في حي شعبي استطاعت النزول بمفردها إلي المستشفي وهي في حالة اعياء شديدة ألم يرها أحد من جيرانها أو أقاربها ليصحبها للمستشفي.. أنا لا أشكك في صحة ما نشر لكن ما أسجله علي الإعلام هو تضخيم الحدث والمبالغة في تصويره لإشعال الأمور أكثر وأكثر وقد بدأ هذا بعد الثورة رغم أن مثل هذه الأحداث كانت تقع يومياً قبل سقوط النظام لكنها زادت وكثرت بعد سقوطه. واستطردت: مهنة الطب من أرقي المهن لأنها تتعلق بأرواح الناس وحياتهم لذا أطالب بتدريس المواد الشرعية لطلبة كلية الطب لإعطائهم جرعة دينية تقوي لديهم المسئولية الاخلاقية تجاه مرضاهم وتحثهم علي اتقان عملهم بغض النظر عن الاعتبارات المادية. جريمة شنعاء تناولت خيط الحديث الدكتورة أمينة كاظم استاذ علم النفس التربوي قائلة: كل مهنة بها أصحاب الضمير وبها معدومو الضمير وكذلك مهنة الطب لكن الخطأ عندما يصدر عن طبيب لا يمكن أن يغتفر لأنه ينتج عن أذي لإنسان برئ أو وقوع الوفاة كما حدث في هذه الحالة ولا نعيب علي عدم قبول المستشفي لمريض إلا بعد استيفاء كافة البيانات واتخاذ كافة الإجراءات لكن دون طرد أي إنسان يطرق باب المستشفي ويطلب العلاج بسبب عدم وجود أموال معه لأن طرد إنسان مريض من مركز طبي يعد جريمة إنسانية ودينية واجتماعية وترفضها كل الأديان السماوية وإذا كانت المستشفي تخشي أن يكون هذا الشخص مدعياً أو ليس مريضاً فعليها أن تتخذ ضده كل الإجراءات القانونية. أضافت: المستشفيات في بلادنا تعاني إهمالاً جسيماً وانعدام الرحمة والشفقة من قلوب بعض القائمين عليها فقد تجد مستشفي يرفض إخراج مريض توفي لديه إلا بعد تسديد كل الأموال المتبقية عليه رغم تنافي ذلك والقاعدة الشرعية التي نعرفها جميعاً والتي تقول: "إكرام الميت دفنه".. لذا نري الهجوم علي بعض المستشفيات ومحاولة الفتك بمن فيها كرد فعل من هؤلاء تجاه القائمين علي المستشفي بسبب الاهمال واللامبالاة التي تلقوها فيها أو تلقاها ذووهم وإن كنت أعترض علي هذا الفعل الإجرامي لكنه رد فعل منهم تجاه وحشية وقسوة العاملين بالمستشفي. أزمة ضمير استطردت الدكتورة أمينة كاظم: أننا نعاني من أزمة ضمير في مجتمعنا فقد تبدلت المعايير واختلت القيم بعدما غلبنا المادة علي كافة تعاملاتنا.. فماذا ننتظر بعد ذلك؟! عقابهم واجب ديني أكدت الدكتورة سلوي البسوسي استاذ الفقه بجامعة الأزهر أنه في ظل غياب الضمير والوازع الديني لدي الناس سيحدث أكثر من ذلك لأنه لو تواجد الضمير لدي الطبيب الذي قام بطرد هذه السيدة ما ارتكب هذا الجرم المشين. أضافت: انقاذ أي مريض واجب ديني ومن يتخاذل عنه يعد آثماً وحسابه علي الله عز وجل لأنه فرض كفاية تماماً مثل الإنسان الذي يغرق ويوجد شخص بجواره ولا يحاول مجرد انقاذه فتوفي علي أثر ذلك فهذا الذي لم ينقذه وقع عليه وزر.. فهذه الجريمة النكراء ضد الإنسانية والأخلاق وتتنافي تماماً وتعاليم كافة الأديان السماوية فلا يوجد إنسان علي وجه الأرض يقبل أن تزهق روح إنسانة بسبب مائة جنيه. أرواح رخيصة ووافقتها الرأي الداعية الإسلامية فايزة مندور قائلة: أرواح الناس ليست هينة وليست محلاً للفصال والمزايدة فنحن نعلم أنه يوجد قسم مجاني أو اقتصادي بكل مستشفي لعلاج الفقراء والمساكين فلماذا رفض المستشفي علاج هذه السيدة وتركها فريسة للموت ولاشك أن القائمين علي هذه المستشفي مذنبون كما أن المحيطين بها مذنبون فكان من المفترض أن يتبرعوا بجزء يسير من المال لانقاذها لكنهم لم يفعلوا ذلك ولا أدري هل أصبحنا في غابة وهانت أرواح الناس لهذا الحد. قتل عمد قالت الدكتورة آمال ياسين استاذ الفقه والعميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالخانكة: حث الإسلام علي الرحمة بكل الكائنات وليس البشر فقط ولهذا قال صلي الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الله". وتساءلت: كيف يتم التعامل بهذه الوحشية مع امرأة فقيرة ضعيفة وليست في حالتها الطبيعية إنما تعاني من شدة المرض فهذا الفعل يعد قتلاً عمداً لها لأنهم تخلوا عن إسعافها بعدما ظهرت عليها علامات المرض الشديد ومن المعروف أن التسمم إن لم يعالج يفضي للموت فكيف ينام هذا الطبيب وينعم بحياته وقد تسبب في موت إنسانة مريضة فقيرة. فهذا الطبيب الذي فقد العطف والرحمة بل فقد الإنسانية كلها ليس بإنسان ولا بمسلم لأنه خالف كل معايير الإنسانية وتجرأ علي كل القوانين الإلهية والوضعية لأنه لا يوجد قانون يمنع الرحمة بالمريض أو المصاب. أشارت إلي أن الرحمة فوق العدل وعلي الإنسان أن يربأ بنفسه عن مثل هذه التصرفات الدنيئة التي لا تمت للإنسانية بصلة واستشهدت بالمرأة البغي "أي الزانية" التي قامت بوضع الماء في خفيها وسقت كلباً كان يلهث من شدة العطش وانقذته من الموت فما كان جزاؤها من الله إلا أن أدخلها الجنة وامرأة أخري دخلت النار في هرة فلا هي اطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض فدخلت النار بسبب ذلك فالإسلام يرحم الحيوان فما بالنا بالإنسان الذي كرمه الله وفضله علي كل المخلوقات. أضافت: من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً فمهنة الطب مهنة إنسانية في المقام الأول لأنها تتعلق بأرواح البشر وحياتهم ومماتهم وهذا ما نتمني أن يتغير. أنهت كلامها قائلة: للأسف الشديد غفلنا جميعاً تعاليم ديننا وغرتنا الحياة الدنيا فكانت حصيلة ذلك أن أصبحنا نتعامل مع بعضنا البعض بكل وحشية وقسوة وإجرام وصارت المادة هي المبدأ والوسيلة في آن واحد لذا لابد من الرجوع لتعاليم ديننا والأخذ بها لنحقق قول الله تعالي: "كونوا عباد الله إخوانا" سواء كنا مسلمين أو مسيحيين يحب بعضنا بعضاً ويرحم بعضنا بعضاً.