تستحق كلمات البابا شنودة الثالث عن الإسلام أن نتوقف طويلاً أمامها. خاصة تلك الكلمات التي كانت يتحدث بها أمام المؤتمر السنوي للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية والتي كان ينتظرها الصحفيون بفارغ الصبر لدرجة أن عناوين المواد الخبرية التي كان الصحفيون يرسلونها لصحفهم ومجلاتهم كانت لابد أن تحتوي علي عنوان أو أكثر من كلمات البابا. خاصة أنه كان كثير الاستشهاد بآيات القرآن الكريم في رسالة واضحة لقراءته له وتمعنه في آياته المحكمات. دين الإسلام في المؤتمر السادس عشر والذي عقد في عام 2004 قال بطريرك الكرازة المرقسية: الإسلام هو دين السلام ولا يستطيع أحد المزايدة عليه في ذلك ويكفي أن السلام هو اسم من اسماء الله. وقد ورد في سورة الحشر: "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام" سورة الحشر: الآية .23 ورد في سورة البقرة: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" سورة البقرة: الآية 208. وفي سورة النساء: "ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً" سورة النساء: الآية 94. أول مرحلة من السلام كانت في تاريخ الإسلام هي العهود والمواثيق الشهيرة. لعل في مقدمتها الميثاق الذي أعطي لنصاري نجران. والميثاق الذي أعطي لقبيلة تغلب ووصية الخليفة أبي بكر الصديق لأسامة بن زيد. والوصية التي قدمها الخليفة عمر بن الخطاب قبل موته. والميثاق الذي أعطاه خالد بن الوليد لأهل دمشق. والميثاق الذي أعطاه عمرو بن العاص لأقباط مصر. وفي هذه المواثيق أمن المسيحيون علي كنائسهم وصوامعهم ورهبانيتهم وأملاكهم وأرواحهم. نذكر هنا في مصر أنه عندما أتي عمرو بن العاص إلي مصر كان البابا القبطي بنيامين منفياً ثلاثة عشر عاماً بعيداً عن كرسيه. فأمنه عمرو بن العاص وأعاده إلي كرسيه وأسلمه كنائسه التي أخذها منه الروم. وعاش معه في سلام. هوية الإسلام في المؤتمر الثامن عشر والذي عقد في 2006 أكد البابا شنودة أن الانعزال لم يعد مقبولاً في عصر العولمة. وقال إن الإندماج مع دول العالم يحتاج إلي مساهمة كل قطاعات المجتمع مع الحفاظ علي خصوصيته وهويته العربية والإسلامية. التجديد سمة الإسلام في المؤتمر الحادي والعشرين والذي عقد في عام 2009 أوضح البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية أن تبادل الفكر له منفعة كبيرة ويخرج بها المجتمعون برأي واحد في قضايا إسلامية مهمة. وأن التجديد ليس جديدا علي تاريخ الإسلام. فالإسلام في سلسلة دائمة من التجديد. وضرب البابا شنودة أمثلة علي التجديد في الإسلام من ذلك نظام الحكم الذي تطور من عصر الخلفاء الراشدين إلي الدولة التي بدأت فيها أسرة تحكم لسنوات طويلة ثم الدولة العباسية ثم الفاطمية ثم العثمانية. استدل البابا شنودة أيضا علي تجديد الفكر الإسلامي بالمراحل التي مرت بها المرأة عبر تاريخها الطويل ابتداء من حقها في الانتخاب ثم عضوة بالهيئة التشريعية كما في مصر. ووكيلة لمجلس الشعب. بل ودخلت المرأة في كل المجالات حتي صارت قاضية كما في مصر. حق الاعتقاد في الإسلام في المؤتمر الثاني والعشرين عام 2010 دعا البابا شنودة الثالث إلي أهمية فهم معني عدم الإكراه في الدين بحسب آيات القرآن الكريم. مضيفاً أن من واجب من يتحمس لدينه الدعوة له بالحكمة والموعظة الحسنة والاكتفاء بدور المبلغ فقط دون الحاجة لاستخدام العنف أو الأسلوب الفظ. مؤكداً أن هذا المعني هو إحدي غايات الشريعة الإسلامية. دون ان يتطرق إلي استفزازات الأقباط أو الاعتراف بوجود متطرفين مسيحيين يحرضون ضد المسلمين. أما الدكتور محمد الشحات الجندي -الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية- فأكد علي أهمية حفظ النفس والحق في الحياة فلا جرم أعظم عند الله من قتل نفس معصومة تتمتع بالحصانة ضد من يسلبها حق الحياة بصفتها الإنسانية بغض النظر عن دينها وجنسها. "إن الآدمي بنيان الله ملعون من هدمه". وطالب المجتمع الدولي بضرورة تجريم ازدراء الأديان ومكافحة الزندقة والإلحاد وحماية حق الاعتقاد. لعل هذا ما جعل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر يعلق علي كلمات البابا شنودة في هذا المؤتمر قائلاً: يجب أن أحيي الدور الرائع الذي يقوم به قداسة البابا شنودة ويشكل أماناً ضد تفتيت الفتنة بين الأقباط والمسلمين والتي هي مستوردة من الخارج. وهو واع لهذا تماماً. لكن للأسف الشديد أن الكثير من الدهماء في الأقباط أو المسلمين يبتلعون طعم الفتنة وعلي مستوي الصحافة أحياناً. المحبة عندما أدلي الأنبا بيشوي -سكرتير المجمع المقدس- بتصريحات أثارت جدلاً واسعاً حول القرآن الكريم سارع البابا شنودة لشجب تلك التصريحات قائلاً: إن الحوار حول المسائل العقائدية خط أحمر لا ينبغي التطرق إليه. واستطرد "أن المحبة بين الأقباط والمسلمين لا تسمح بالانقسام وبالأخص في النواحي الدينية". أضاف: "الحوار الديني بين المسلمين والمسيحيين يجب أن يكون في النقاط المشتركة بيننا وبين أخوتنا المسلمين من أجل خير البلد ونشر الفضيلة. ولا يجب أن ندخل في الخلافات الدينية فكل شخص له إيمانه الذي يعتز به ولا يصح أن يجرحه آخر في أموره الإيمانية". مكرراً "نحن نأسف جداً لجرح مشاعر أخوتنا المسملين. وهذا أمر يؤسفنا جداً فعلاقتنا مع القادة والإخوة المسملين علاقة طيبة". قال "المعروف عن مصر أنها بلد سلام. بل هي داعية للسلام في الشرق الأوسط. وإذا لم يكن يوجد سلام داخلها بيننا وبين بعضنا فإنه أمر غير مقبول. خاصة أننا نمثل السلام في المنطقة فنحن نحتاج دائما إلي تهدئة هذا التوتر الموجود. والتهدئة لن تأتي بالإثارة. والنار لا تطفئها نار. ولكن يطفئها الماء وهذا التوتر لا يعالج التوتر. وإنما يعالجه السلام والمحبة والهدوء والتفاهم".