فجأة اندلعت الأحداث في أفغانستان علي خلفية قيام عدد من الجنود الأمريكية بحرق نسخ من المصحف الشريف وهو ما أثار حفيظة الأفغان المسلمين والذين سارعوا لحصار منطقة باجرام العسكرية حيث تمت الجريمة ورغم محاولات الشرطة الأفغانية تفريق المظاهرات إلا أن التوتر مازال يشوب أفغانستان بالكامل احتجاجا علي هذا العمل المشين. ونظرة علي ما يتعرض له المصحف الشريف علي أيدي الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر يجعلنا نتساءل عن سبب هذه الهمجية التي يتعامل بها الأمريكيون مع كتاب الله الكريم لدرجة انه وخلال أشهر قليلة تعرض المصحف للحرق علي يد الأمريكيين مرة داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها علي يد القس المجنون تيري جونز ومرة أخري خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية علي يد جنود أمريكا في قوات حلف الأطلسي الموجودة في أفغانستان.. "عقيدتي" من خلال هذا التحقيق تحاول رصد أسباب العقدة الأمريكية من القرآن الكريم.. التفاصيل في السطور التالية.. ونظرة علي تاريخ الإساءات الأمريكية للمصحف الشريف تكشف لنا ان هناك عقدة ربتها الصهيونية العالمية ووسائل الإعلام التي تدين لها بالولاء في نفوس الأمريكيين تجاه المصحف الشريف. الإعلام الصهيوني بداية يؤكد د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية ان ما حرقه ومزقه الجنود الأمريكيون ليس القرآن الكريم لأن الكافر وفقا لما جاء في كتاب الله فور أن يلمس المصحف تنزع البركة من آيات الله ويصبح مجرد حروف عادية وان حملة حرق المصاحف مع مرور ذكري هجمات الحادي عشر من سبتمبر حملة ظالمة يرفضها العاقلون من أهل الأديان السماوية. قال تعالي: "وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا" وعلي من كرهوا ديننا وأرادوا حرق قرآننا وألصقوا تهمة الإرهاب بالمسلمين مع العلم بأنه مهما حرقوا من مصاحف فهو محفوظ يحفظه رب العزة ولو عرفوا قيمته لما فعلوا. ويضيف د. عمر هاشم ان المشكلة بين الأمريكيين والقرآن تكمن في وسائل الاعلام الصهيونية التي نجحت في تشويه صورة آيات القرآن الكريم في أوساط الكثير من الأمريكيين حتي أصبح الأمريكي ينظر للقرآن الكريم علي انه كتاب يحس علي العنف والإرهاب وفي ظل عجز الآلة الاعلامية العربية عن توضيح الصورة ومواجهة المخطط الصهيوني لتشويه القرآن فإن المواطن الأمريكي أصبح يتعامل مع القرآن بهذه الصورة المشوهة. ويدعو د. هاشم إلي تبني الاعلام والاسلامي لاستراتيجية توضح الصورة الحقيقية لكلام الله عز وجل حتي نكشف حقيقة المخطط الشيطاني الذي تمارسه الآلة الإعلامية الصهيونية يدعمها في ذلك جماعات المسيحية الصهيونية في الغرب عامة والولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل خاص كذلك علي المسلمين الاستمساك بحبل الله والعمل وفق دستور الله ومنهج رسوله الكريم من أجل مواجهة الهجمات المتتالية عليهما وان يعلم العرب والمسلمون في كل مكان ان هذا الدستور السماوي هو الذي وحدنا وجمعنا ويجب العمل علي تصحيح الصورة وفهم الدين وعدم إتاحة الفرصة أمام المتشددين الذين أوجدوا الفرصة للنيل من ديننا ورسولنا الكريم فلابد من التمسك بحبل الله والاستمساك بكتابه العزيز والتأكد انه ومهما حاول الآخرون في أي مكان النيل منه أو من الرسول فلن يستطيعوا بل وبجهلهم يساعدوننا علي التمسك أكثر بديننا بل والمساهمة في انتشاره من ثم أوصيكم ونفسي بتوريث القرآن لأولادكم فإذا تمسكتم بكتاب الله انتصرتم وجاءتكم الدنيا راكعة فهو صمام أمان الأمة. تغذية روح العداء ومن جانبه يؤكد د. محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة الأسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية ان قيام الجنود الأمريكيين بحرق أوراق المصحف الشريف انما هو نتيجة واضحة لما تقوم به الكنائس المتشددة وعلي رأسها الفاتيكان بتغذية روح العداء في العالم عامة والغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية بوجه خاص ضد الاسلام والمسلمين وهذا المخطط المشبوه للأسف الشديد تقوده الكنيسة الأم في الفاتيكان منذ سنوات وتحديدا منذ تصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المعادية للاسلام وما تبعها من إبراز وجه الكنيسة الغربية المعادي للاسلام بدءا من حملات تخويف الغرب والأمريكيين من الاسلام ووصولا إلي الحديث الكنسي عن "أسلمة أوروبا" وانتهاء بجريمة حرق القرآن الكريم في الذكري العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. فالحرب اليوم أصبحت علانية وليست خفية ولكننا جهلنا هذه الحقيقة عن عمد. ويحذر د. عثمان من اننا أمام ظاهرة تتنامي وتفرض عددا من الملاحظات التي تؤكد اننا بصدد وضع شديد الخطورة أولها ان الأمن العالمي يواجه تحديا شرسا قد يدفع في لحظة لأسباب ثقافية ودينية إلي فتنة دينية عالمية وربما تقود إلي حرب دينية ولا توجد مؤشرات علي ان العالم الغربي يحاول أن يتجنبها بل انه كل يوم يضع أطرا نظرية تعضد احتمالاتها وهو ما ظهر في هذه الجريمة الأخيرة والخطيرة التي قادها جيش من المفروض انه يتواجد في أرض مسلمة وكان الأحري بقيادات هؤلاء الجنود أن يغذوا داخلهم روح التسامح بدلا من روح التعصب والعنصرية التي زرعوها فيهم ونتج عنها هذا الفعل الخطير والمخيف ويجب علينا كمسلمين في كل مكان أن نأخذ كافة الاحتياطات لردع هذه المخططات وما يأتي علي شاكلتها حتي لا يتحول العالم إلي ساحة للحروب الدينية المدمرة ويجب أن يكف الفاتيكان عن هذا العبث العقائدي الذي يمارسه ويعود إلي دوره الحقيقي في تنمية روح التسامح الديني وشيوع روح الإخاء بين أهل الأديان كما تدعو إليها مبادئ هذه الأديان السماوية حتي يستعيد العالم توازنه وتعود روح السلام الانساني للبشرية جمعاء. أمة مستهدفة ويقول د. عبدالمعطي بيومي العميد الأسبق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر ومقرر لجنة العقيدة بمجمع البحوث الإسلامية ان هذه الجريمة جزء لا يتجزأ من مخطط يتم تنفيذه لمحاصرة الإسلام والمسلمين داخل وخارج الولاياتالمتحدة. وان الخوف من الإسلام وسوء الظن به والربط بينه أحيانا والعنف والإرهاب مشكلة قديمة متجددة. لكنها كانت ومازالت تراود نفوس المتربصين بالإسلام في الغرب عامة والولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة. وإذا كان هناك بعض المسلمين يمارسون العنف فهناك غير المسلمين أيضاً في بيئات عديدة في الدنيا كلها يمارسون العنف لكن بعد الحادي عشر من سبتمبر حدثت صدمة لا سابقة لها. لا في الولاياتالمتحدة ولا في غيرها. وبدأت حملة مبعثها الأول الخوف لكن أخشي أن يكون قد أضيفت إليه اعتبارات سياسية أخري عقدت المسألة أكثر. وصورت لكثير من الناس ان القضية ليست قضية مجموعة أفراد يمارسون العنف وإنما تصور بعضهم أو توهم انها في الإسلام وفي عقيدته. وفي شريعته. وفي منظومة قيمه. ما يجعل أتباعه مهيئين دائما ليكونوا أهل عنف وإرهاب. وإن الحادي عشر من سبتمبر جمع كل هذه الأفكار في معادلة مسرفة في التبسيط صورت المسلمين والإسلام. صورت المسلمين كما لو كانوا لا يعرفون إلا العنف. وصورت الإسلام كما لو كان ثقافة تنادي بالعنف. ويضيف د. بيومي ان مثل هذه الأحداث والمخططات توضح رسالة هامة وهي ان الأمة لا تزال مستهدفة من الداخل والخارج سواء من العدو التقليدي أو الخصم الحضاري الذي يتمثل في الخطر الصهيوني وأعوانه. أو من العدو القابع بين ظهورنا وهو المتمثل في هؤلاء المغرر بهم من بني جلدتنا الذين راحوا ضحية أفكار متطرفة وهدامة فجنوا علي أنفسهم وجنوا علي المجتمع بأسره. والذي يدخل في نطاق المعقول الآن هو أن تصنع الأمة لنفسها منهجا للتفكير ومنهجا لبناء الإنسان يجعله محصنا ضد ما يفد إليه من أفكار قد يكون بعضها ضارا أو ضالا أو يغير وجدانه أو يتنافي مع مقومات ثقافته الذاتية وان سبيل التغلب علي هذه المشكلات هو إعداد المسلم وتحصينه بثقافة الأمة وخصوصيتها الحضارية التي تمثل البوصلة الحقيقية أمام كل هذه الأمور. ولكن للأسف الشديد لا تصنع شيئا لإعداد الإنسان علي هذا النحو بل علي العكس فنحن في الوقت الذي تحيط بنا الدعاوي والهجمات التي تشير إلي أمتنا علي انها "العدو البديل" نجرد الإنسان عندنا من أسلحة المواجهة وهي التدين ويتم تفعيل ذلك عندما يخلط البعض عندنا بين التدين والتطرف والإرهاب بينما ينبغي أن يكون التدين هو السلاح الأول الذي نواجه به هذا الغزو الفكري والإرهاب والعنف. كذلك بناء المنهج الفكري الإنساني لا يمكن أن يتم بمعزل عن المعتقدات الدينية التي تمثل الأسس الثابتة في ثقافة الأمة. ويري أن هذه محاولة من فلول التعصب الديني والصهيوني ويجب أن لا ننساق وراءه بحرق القرآن بأن نحرق الإنجيل لأننا مأمورون بأن نحترم التوراة والإنجيل لأن التوراة والإنجيل بهما آيات صحيحة تتفق مع السنة فلا يجوز أن نهين الكتب المقدسة في مواجهة التعصب الغربي. ويجب الرد من خلال المؤسسات لعلاجها ويجب أن لا نصمت علي هذه الحماقة وأعتقد أن القوي الثقافية والدينية المعتدلة في أمريكا لن تنحني لهذه الحماقة. وعلينا أن نواجه مواجهات ثقافية علمية سياسية مثل الضغط علي السفارات الأمريكية. وإن لم تستطع القوي السياسية الثقافية والعلمية الرد علي هذا فليس هناك فائدة من حوار الثقافات. ويقول الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس انه لابد من تحليل ظاهرة حرق المصحف نفسيا لأن من الواضح أن تركز ظاهرة حرق أوراق القرآن الكريم في الأمريكيين يعني أن المواطن الأمريكي علي كافة المستويات أصبحت لديه عقدة ما من آيات الله البينات ولهذا يترجم تلك العقدة في صورة تمزيق الأوراق التي تحمل تلك الأيات أو حرقها ولم يقدم الجنود الأمريكيون علي حرق القرآن هم أو من سبقهم من القساوسة الأمريكيين إلا بسبب خلل نفسي سيطر عليهم أدي إلي إيمانهم بأن حرق القرآن سيؤدي إلي اختفاء الآيات التي يحتوي عليها فهم لم يضعوا في حساباتهم الغضب الإسلامي ولم يكونوا يبغون بذلك الفعل مجرد إيذاء شعور المسلمين وإنما رغبوا في الأساس إلي محو آيات القرآن من الوجود بعد أن سيطر عليهم هاجس الرغبة في التخلص من الأمة الإسلامية ذاتها ولهذا لن تجد واحداً من الذين أحرقوا القرآن يقول لك انه كان يبغي مضايقة المسلمين لأنهم لم يضعوا ذلك في حساباتهم الأصلية فهم في الأساس كانوا يريدون محو القرآن من الوجود وتخيلوا بفعل التوتر والتعصب انهم سينجحون في ذلك لو تبنوا حملة يبدأونها هم أنفسهم بحرق القرآن. ويضيف الدكتور صبحي: لابد أن نعي ونحن نواجه مثل هذه الظاهرة المفزعة أن الجنود الأمريكيين ليسوا هم صناعها الأصليين ولكن يقف خلف فعلتهم هذه قيادات كنسية وإعلامية ضخمة صورت لهم في محاضرات التأهيل النفسي ان القرآن هو الخطر الأكبر علي بقاء البشرية كلها ولهذا لابد أن نوضح ان هذا الجرم الكبير يشعل حرب الأديان وصدام بين الحضارات والتي كنا سمعنا عنها في وقت من الأوقات. وجاء الحوار الإسلامي المسيحي فضلا عن انه يخل بحرمة المقدسات الدينية كما انه يتعارض مع حقوق الإنسان فالمسلمون في العالم يشكلون ربع سكان العالم وهذه الجريمة تؤجج نيران الصراع بين الأديان. ويجعل المسلمين ينظرون بنوع من الشك نحو جدوي إجراء حوارات بين الإسلام والغرب وتعمل علي وأد كل المحاولات التي تهدف من ورائها إلي تحقيق السلام الإنساني. وإن من قاموا بهذه الجريمة خالفوا أبسط التعاليم التي يحملها كل دين تجاه الدين الآخر وتجاهلوا أن المسلمين وكتابهم يدعون إلي الإيمان بالتوراة والإنجيل وكل الأنبياء والرسل فكيف يأتي هؤلاء ويقومون بإحراق كتاب دعي إلي التعايش ومد جسور التعاون بين اتباع الديانات الأخري وخاصة المسيحية. هذا أمر مرفوض ويجب مواجهته من قبل عقلاء العالم حتي يمكن الاستمرار في الحوار الإنساني والوصول إلي صيغة مشتركة تحقق التعايش المطلوب بين المجتمعات الإنسانية.