تحل علينا هذه الأيام ذكري مولد سيد الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. وقد كانت العام الماضي مشاركة لميلاد الثورة. وهي الآن تؤكد علي استمرارها لأن مولده صلي الله عليه وسلم كان في ذاته ثورة. ثورة علي الباطل في جميع أشكاله وصورة متمثلة في الآتي: أولاً: في ميلاده ثورة لإعلاء قيمة النكاح الصحيح ونبذ كل ما هو فاسد وقد كان من الناس -في هذا الوقت- من يولد من سفاح- يقول في ذلك صلي الله عليه وسلم "ولدت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلي أن ولدني أبي وأمي ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء". وقوله صلي الله عليه وسلم "بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتي بعثت من القرن الذي كنت فيه". وقد كانت أم قتال أخت ورقة بن نوفل تعرف من أخيها مواصفات النبي المنتظر. ولذا حاولت ان تكون زوجاً لعبدالله بن عبدالمطلب والد نبينا. فكانت تتعرض له لتكون زوجته. فلما يئست من ذلك. تعرضت له ثانيا ليكون لقاء ولو بغير زواج لتكون صاحبة النور. وجهرت بذلك له لعله يستجيب. وكذلك تلك الكاهنة من تبالة متهودة قد قرأت الكتب أيضا. وقد قالت كل واحدة منهما له. سأعطيك مائة من الإبل مثل الإبل التي نحرت عنك. وكان الرد الواضح والذي سجلته السيرة وهو قوله: أما الحرام فالممات دونه والحل لأحل فأستبينه فكيف بالأمر الذي تبغينه يحمي الكريم عرضه ودينه ثانياً: في ميلاده ثورة انتصار الحق علي الباطل. وهلاك للطواغيت وجعلهم وجنودهم كعصف مأكول. حيث جاء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة. وصرف الناس عنها إلي بيت بناه لهم. وظن أنه يقدر علي ذلك وكان الله بالمرصاد. فأهلكه وجعله عبرة وعظة لكل المتجبرين. ويحكي ذلك لحبيبه كأنه رآه رأي العين حيث يقول عزو وجل "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كصعف مأكول". ثالثاً في ميلاده ثورة هدمت شرفات قصور كسور وخمدت لها نار فارس. ولم تخمد قبل ذلك بألف عام. وغاضت لها بحيرة ساوة. فقد روي الحافظ الخرائطي في كتاب هواتف الجان بسنده عن مخزوم بن هاني المخزومي عن ابيه قال: لما كانت الليلة التي ولد رسول الله صلي الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسري وسقطت منه أربع عشرة شرفة. وخمدت نار فارس. ولم تخمد قبل ذلك بألف عام. وغاضت بحيرة ساوة. ورأي الموبذان -في منامه- إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم. فلما أصبح كسري أفزعه ذلك. فتصبر عليه تشجعاً. ثم رأي أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته. فجمعهم ولبس تاجه. وجلس علي سريره. ثم بعث إليهم. فلما اجتمعوا عنده قال: اتدرون فيم بعثت إليكم؟. قالوا: لا. إلا أن يخبرنا الملك بذلك. فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران فازداد غماً إلي غمه. ثم أخبرهم بما رأي وما هاله. يقول الموبذان وأنا -أصلح الله الملك- قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الإبل. يقال أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال حدث يكون في ناحية العرب -وكان أعلمهم من أنفسهم- فكتب عند ذلك: من كسري ملك الملوك إلي النعمان بن المنذر.. أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد ان أسأله عنه. فوجه إليه ب"عبدالمسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني" فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما أريد ان أسأل عنه؟ فقال: لتخبرني أو ليسألني الملك عما أحب. فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلم. فأخبره بالذي وجه به إليه فيه قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال: فائته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره. فخرج عبدالمسيح حتي انتهي إلي سطيح وقد أشفي علي الضريح فسلم عليه وكلمه فلم يرد إليه سطيح جواباً فأنشأ يقول: أصم أم يسمع غطريف اليمن.. إلخ. قال: فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: عبدالمسيح علي جمل مشيخ. أتي سطيح. وقد أوفي علي الضريح بعثك ملك بني ساسان. لارتجاس الإيوان. وخمود النيران. ورؤيا الموبذان. رأي إبلاً صعاباً. تقود خيلاً عراباً. قد قطعت دجلة. وانتشرت في بلادها يا عبدالمسيح: إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وفاض وادي السماوة. وغاضت بحيرة ساوة. وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما. يملك منهم ملوك وملكات. علي عدد الشرفات وكل ما هو آت آت. لما قدم عبدالمسيح علي كسري أخبره بما قال له سطيح فقال كسري: إلي ان يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور وأمور. فملك منهم عشرة في أربع سنين. وملك الباقون إلي خلافة عثمان رضي الله عنه. كان آخر ملوكهم الذي سلب منه الملك يزدجرد بن شهريار بن أبرويز بن هرمز بن أنوشروان وهو الذي انشق الإيوان في زمانه وكان لأسلافه في الملك ثلاثة آلاف سنة ومائة وأربعة وستون سنة. وكذلك نزع الله عروش حكامنا الظالمين. وهدم قصورهم. وبدد شملهم وفرق جمعهم. في تونس وليبيا ومصر والبقية تأتي في اليمن وسوريا وغيرها من الدول. وللحديث بقية في العدد القادم