ليست العودة من أداء فريضة الحج نهاية وإنما هي بداية العمل بدروس الحج ومفاهيمه وآثاره في الناس. وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد قال: "الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة" فإن هذا القول الشريف يقتضي من الإنسان أن يتخلق بأخلاق الحج في حياته بعد أدائه مناسكه.. وإذا نظرنا إلي قول الرسول صلي الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وإذا نظرنا إلي هذا القول الشريف أدركنا أن الإنسان بعد أدائه مناسك الحج يعود خالياً من الذنوب والاثام وذلك مصداقاً للحديث القدسي عن رب العزة الذي ورد في قوله سبحانه للملائكة في مشهد عرفات "انظروا إلي عبادي آتوني شعثا غبرا اشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم" أية رحمة هذه من الله سبحانه وتعالي بعباده الذين اتوا إلي ساحة الغفران في عرفات يطلبون الرحمة والرضوان وهذا من حقهم لأنهم أخلصوا النية لله وأدوا المناسك كما بلغهم بها رسول الله صلي الله عليه وسلم وذلك عندما قال لهم: "خذوا عني مناسككم" والعبادة في مجملها اتباع وليست ابتداعاً فالرسول صلي الله عليه وسلم قال "صلوا كما رأيتموني أصلي" وهم في الحج يفعلون كما فعل الرسول صلي الله عليه وسلم وهو القائل لهم: "خذوا عني مناسككم" وليس هناك اجتهاد في العبادة بمعني إنشاء أنماط منها جديدة وإنما في اتباع وامتثال لا مجال لإعمال العقل فيها ففي الحج مثلاً نقبل حجراً ونرجم حجراً أية رحمة بهذا الحجر وأية قسوة بذاك الحجر إن كلا منهما لا يشعر بما يفعله الإنسان به وإنما هو يجري عليه ما بلغ به رسول الله صلي الله عليه وسلم المؤمنين ولقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه صادقاً كل الصدق وهو ينحني علي الحجر الأسود ليقبله وهو يقول: "والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" فالعبادة كما قلنا اتباع وليست ابتداعاً والصلاة في مجملها اتباع لرسول الله صلي الله عليه وسلم حين صلي وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". فالعائدون من الحج عليهم الالتزام بأهدافه العليا حيث لارفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما أجمل الحياة حين يتجرد من الرفث والفسوق والجدال انها عندئذ تكون حياة فيها السلام كاملاً بين العباد المؤمنين وهذا السلام هو الذي يوحدهم حول شعار الإسلام الأول: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وما أروع المسلمين حين يرفعون هذا الشعار في حياتهم اتباعاً لرسول الله صلي الله عليه وسلم الذي بلغ الدين عن ربه وقد ورد في القرآن الكريم قول الله تعالي: "إن الدين عند الله الإسلام" وقد صابر علي كل ما يبتدعه الناس بعد ذلك من عبادة مصنوعة فقال سبحانه: "ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين". إن عودة الحجاج من حجهم إلي أوطانهم علي تباعدها يعني أنهم مكلفون من ربهم بابلاغ آداب الحج ومقتضياته إلي من يلقونه من الناس في أي مكان وأي زمان.