حذار أن تفهم أن هذا الحديث قد صدر من هذه الجهة أو أي جهة .. وإنما كان هذا مكان وقوف سيدنا موسي . أما الحديث لا يمكن أن يسمعه سيدنا موسي بأذنيه .. وإلا كان كحديثنا موجات هوائية تستلزم نطقًا وحروفًا وفمًا وشفتين. واللَّه تعالي منزّه عن هذا كله. فاللَّه سبحانه وتعالي في داخل سيدنا موسي كما هو خارجه.. ولِمَ يكون الحديث من خارجه وليس من داخله .. وما في داخله إلا اللَّه تعالي. و يجيب موسي أيضًا من داخله إلي داخله.. وما نطق بكلمة ولا حرف !! ولماذا ينطق بلسان وشفتين وهو يناجي ويخاطب من داخله كما هو حوله؟! فإن قلت لي فنحن في الصلاة نناجي اللَّه بألسنتنا وهو في داخلنا أيضاً!! قلت لك: أن هذه أمور ومناسك تعبدية فرضها اللَّه تعالي علينا بهيئة مخصوصة وألفاظ مخصوصة لا نحيد عنها لنظهر بعبودية العبد المسلم للَّه تعالي وتكون باطنة ظاهرة.. هذا أمر آخر لا يجوز القياس عليه. وما رميت إذ رميت ولكن اللَّه رمي.. نعم رميت وما رمي إلا اللَّه بأمره وقدرته.. فالفعل إليك فقد رميت بيدك .. ولكن لولا أمر اللَّه وقوته لما رميت .. فاللَّه تعالي رمي لا أنت ... نسبة إضافة إلي العبد ونسبة خلق إلي اللَّه تعالي.. فالأمر كله والفعل كله والخلق كله للَّه تعالي الفعال لما يريد والقاهر فوق عباده. وعندما تعرض المفسرون لشرح مناجاة سيدنا موسي قالوا إن اللَّه تعالي قد كلمه بقوة عشرة الآف لسان .. اللَّه أكبر طبعًا علي قدر تصورهم. أليس هو اللَّه العظيم الجبار !! طبعًا هذا علي قدر علمهم آنذاك . ثم قالوا إن موسي عليه السلام قد سمع بجسمه كله وليس بأذنيه ... و سبحان اللَّه هنا قد لمسوا شيئًا من الحقيقة لمسًا طفيفًا فما دام موسي قد سمع بجسمه كله إذًا فهذا ليس مثل كلام البشر.. فإن كلام البشر وقوة الألسنة لا يؤثران إلا في الآذان فقط فإذا سمع موسي بيديه ورجليه واستوعب الصوت المقدس بجسمه جميعا... فهذا إذن ليس بصوت كالذي نعرفه. ألا تري أن وصف رسول اللَّه " للجنة بقوله: - قال رسول اللَّه " : ¢ قال اللَّه تعالي : أعددت لعبادي الصالحين . ما لا عين رأت . ولا أذن سمعت. ولا خطر علي قلب بشر ¢. أخرجهپ أحمد في مسنده والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة والطبراني عن ابن عباس . ما مقصود رسول اللَّه " من تعبير ما خطر علي قلب بشر !! ألا يدل علي أن المسميات قد تكون هي المسميات ولكن الكنه والكيان لا يخطر علي قلب بشر لأنه خارج عن نطاق علمه وعقله وتفكيره؟! وللحديث بقية العدد القادم بمشيئة الله تعالي