أنت لست مراقبًا فقط ظاهرًا بل وباطنًا من اللَّه تعالي.. بل أنت دائم الحديث معه.. تئوب إليه.. وتخلص له.. وتوقن به.. وتخاف منه .. وتحبه وترجوه وتدعو بالذل والانكسار إليه.. وكل هذا قد يحدث باطنًا دون أن يكون للجسد ولا حتي اللسان دور فيه. ويقول ": ¢ الرؤيا الصادقة حديث يحدث الربُّ بها عبده¢ إذًا الحديث دائر دائمًا بينك وبين اللَّه تعالي .. يحدثك في نفسك وتسمعه في نفسك. وهل تظن أن اللَّه تعالي عندما أوحي إلي أم موسي أن أرضعيه ... إلي آخر الآية الكريمة بالأوامر الإلهية لها .. أتظن أنها سمعت هذا الوحي بأذنيها أم بحديث في نفسها هي ربما ظنت في ذلك الوقت أنها خواطر من نفسها حتي كادت بعد أن أنفذت هذه الأوامر أن تبدي به لولا أن ربط اللَّه علي قلبها مرة أخري. فاللَّه سبحانه وتعالي منزّه عن الصوت البشري والجهة والمكان.. فاللَّه تعالي في كل مكان وأينما تولوا فثم وجه اللَّه و خارجك وداخلك. * الإسراء والمعراج : وحذار أيضًا أن تظن أن رسول اللَّه " في مناجاة الإسراء والمعراج قد سمع بأذنيه الشريفتين.. أو حتي رأي بعينيه أو تكلم بلسانه. وتأمل قوله تعالي في سورة النجم آية 11:" ما كذب الفؤاد ما رأي" الفؤاد رأي وسمع وتحدث أيضاً ولكن اللَّه تعالي يتحدث عن البصر والسمع في أول سورة الإسراء :" سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" وما زاغ البصر وما طغي.. بل التزم بالأدب الأعلي والحضور الكامل. و نفهم من الآيات أن اللَّه تعالي قد أعده لهذه المناجاة إعدادًا خاصًا فجعله سميعًا بصيرًا بكيفية زائدة عن البشر العادي.. فإنه صلي اللَّه عليه وسلم كان قبل هذا الإعداد سميعًا بصيرًا كغيره من البشر .. فلابد أن يتم هذا الإعداد الزائد عن إعداد البشر العام بإعداد خاص لسماع ورؤية ما لا يستطيع البشر العادي أن يسمعه أو يراه. فرسول اللَّه " في المعراج تحدث وسمع ورأي من ذاته في ذاته حيث لا مكان ولا زمان.. وانكشفت الحجب في تلك اللحظة الآنية فرأي الماضي والحاضر والمستقبل في مشهد واحد. يقول اللَّه تعالي في سورة النجم آية 18 :" لقد رأي من آيات ربه الكبري" بمعني أنه رأي كبري آيات ربه.. كشف اللَّه له الحجب التي لم تكشف حتي لسيدنا جبريل .. فأراه اللَّه تعالي وأطلعه " علي ما حوت روحه العظيمة من أنوار وأسرار .. فعرف قدر ذاته عند اللَّه تعالي. وأسأل اللَّه العفو إن كنت مخطئًا. وعندما يقول تعالي :" وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا" " فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسي إني أنا الله رب العالمين" وللحديث بقية العدد القادم بمشيئة الله تعالي