العدل والمودة والتسامح تلك هي العلائق القوية التي تربط المجتمع وآحاده. فالعدل ميزان الأمور. لا يستقيم شيء في هذا الوجود إلا به. فلا بخس لجماعة. ولا طغيان لأخري. وأنه إن ثقل الميزان في جانب. وخف في أخر اضطربت الأمور. وانحل رباط المجتمع. وانتثر عقده. ثم لايجتمع من بعده أبدا. إلا إذا استقام الميزان من غير إثقال وتطفيف وبخس» ولذلك أوجب الله تعالي العدل في كل صوره وأحواله. وغايته الكبري ألا يطغي فريق علي فريق. فلا تطغي طائفة علي طائفة والنبي "صلي الله عليه وسلم" حكي عن ربه أنه قال: "يا عبادي إني كتبت العدل علي نفسي فلا تظالموا". وكان العدل شريعة النبيين المبعوثين من لدن آدم إلي خاتم النبيين محمد "صلي الله عليه وسلم". فقد قال تعالي:" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز". فالعدل ميزان هذا الوجود وقوامه ورباطه. وكان محمد"صلي الله عليه وسلم" ينادي بالعدل في كل أموره» لأن العدل تستقيم به الأمور. وتضبط به العلاقات. ويعيش به ابن الأرض آمنا مطمئنا. وهو رباط الجماعات الإنسانية. وأساس العلاقات الدولية. ولذلك يقول الله تعالي: " ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي" فالعدالة هي الحاكم الذي يوثق ما بين الناس. لا فرق في ذلك بين عدو وولي. ولا قريب أو بعيد. ومهما يكن البغض الشديد مستحكما. فالعدالة هي الحاكمة. وهي فيصل مابين المعاملة السليمة المستقيمة والمعاملة السقيمة. وليس العدل مقصورا علي الحكم بين الناس. بل إنه يشمل هذا النوع. وهو موضوع طلب بشدة في الشرائع السماوية كلها. فقد قال تعالي: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". ويشمل كل المعاملات الإنسانية من اقتصادية واجتماعية ودولية. فالعلاقات الإنسانية كلها ينظمها العدل حتي إن القول ينظمه العدل. فكل قول لايكون حقا يعد ظلما. بل إن خلجات القلوب تكون مستقيمة إذا كانت عدالة بالقدر الممكن. بل إن التمنيات النفسية يدخلها العدل. فالنبي"صلي الله تعالي عليه وسلم" يقول: "لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وإن هذا أول خطوات الاستقامة النفسية فإن الاعوجاج النفسي والعملي. يبتدئ خطه من التمني. فالمستقيم في عمله تبتدئ استقامته من نظرات قلبه. فإن كان ينظر إلي نفسه علي أنها واحدة في مجموع لها من الحقوق مثل ما لغيرها من غير مجاوزة ولا شطط. فإنه يكون عادلا نزها في معاملاته بالناس. وإن كان منحرف النفس تسيطر عليه الأثرة وحب الذات من غير نظر إلي حقوق الغير. فإنه حينئذ يكون التردد في الظلم ابتداء. وتكون نتيجته التدابرفي الجماعة والتنابذ انتهاء. وتقطع الأسباب الرابطة بين الجماعة.