ثلاثة أسباب وراء انهىار »دىتروىت« إدارة مالىة سىئة وانخفاض تعداد السكان و تآكل القاعده الضرىبىة شيء مذهل جدا أن تشهر مدينة بحجم "ديترويت"، رابع أكبر مدينة أمريكية من حيث تعداد السكان، إفلاسها، و هو إجراء نادر، فمنذ إقرار ما يعرف بقانون "البند التاسع" في خمسينيات القرن الماضي، لم تقره سوي ما يقرب من ستين مدينة أمريكية، وهو قانون يتيح للمدن إشهار إفلاسها، كإجراء قانوني أخير، إذا ما تراكمت الديون عليها و لم تفلح أية حلول مالية أو قانونية، علما بأنه إبان أزمة الرهن العقاري التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي ومن ثم العالمي، أشهرت بعض المدن الصغيرة إفلاسها، مثل "سان برنردينو"و"ستوكتون" وكلتاهما في ولاية كاليفورنيا ، وكذلك بلدة "جيفرسون" بولاية ألباما . غير أن ذلك الأمر لم يحدث لمدينة بحجم "ديترويت" التي يبلغ تعداد سكانها 700 ألف نسمة، وإن كانت مدينتا "نيويورك" و"فيلادلفيا"، في وقت سابق، علي شفا الوقوع في تلك الكارثة. في خطبته علي التليفزيون المحلي وفي العريضة التي رفعها للمحكمة، قال "ريك سنايدر" حاكم ولاية "ميتشجان التي تقع بها "ديترويت": " أتخذ هذا القرار الصعب، كي يتمكن سكان المدينة من الحصول علي أبسط الخدمات، و لكي يتم بناء ديترويت علي قواعد مالية صلبة تسمح لها بالانطلاق لبناء مستقبل أقبل، إشهار الإفلاس هو الحل الوحيد الذي سيجعل ديترويت مستقرة وقابلة للحياة"، وحاول حاكم ميتشجان إضفاء نبرة إيجابية بالقول:" من المؤكد أن في ذلك فرصة لوضع حد لستين عاما من التدني الصناعي و العودة إلي مدينة أقوي و أفضل"، و تأتي هذه الكلمات علي خلفية تحليلات لخبراء اقتصاد، يرون في إفلاس "ديترويت" انعكاسا لتراجع صناعة السيارات الأمريكية بشكل عام، و كانت ديترويت أهم المعاقل الصناعية الكبري في هذا المجال وشهدت ازدهارا مبهرا في أوائل القرن المنصرم، قبل أن تبدأ رحلة أفول تدريجية أثرت علي شتي مناحي الحياة. بسبب مشاكلها المالية، تم وضع "ديترويت" تحت الوصاية القانونية منذ مارس الماضي، و قامت سلطات ولاية"ميتشجان" بتعيين المحامي "كيفن أور" حاكما علي المدينة، و هو الرجل نفسه الذي تولي الإشراف علي شركة "كريسلر"، الصرح العملاق في مجال صناعة السيارات، و تتخذ من ديترويت مقرا لها، أثناء تعثرها المالي، علما بأن الصرح الآخر في المدينة و هي شركة"جنرال موتورز" حظيت بعملية إنقاذ غير مسبوقة في الفترة الأولي من حكم أوباما، حيث قامت الحكومة الأمريكية بتأميم الشركة بالكامل، ويلخص "أور" إفلاس "ديترويت" في ثلاثة أسباب:" إدارة مالية سيئة، وانخفاض مستمر في تعداد السكان، تآكل القاعده الضريبية علي مدار الخمسة والأربعين عاما الماضية". ومع انهيار الكثير من المصانع علي وقع الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2008، لم تستطع "ديترويت" الصمود، ويعيب مسئولون بالمدينة بشكل مباشر علي نظام"حبس الرهن" المرتبط بالقروض العقارية، والذي أدي لطرد مئات الآلاف من سكان المدينة بعد عجزهم عن سداد أقساط منازلهم ، وفقدان الآلاف وظائفهم مما أدي لحرمان خزينة المدينة من أموال الضرائب التي كان يدفعها الموظفون، فضلا عن ذلك فإن لجوء عمدة المدينة لسياسة الاستدانة بشكل مستمر، أدي في النهاية إلي العجز في القيام بالإنفاق علي صعيدي البنية التحتية والخدمات العامة، فلم يتحمل قطاع كبير من السكان شوارع بلا مصابيح إضاءة ليلا، ولا مستشفيات بدون أطباء ولا مدارس بدون مدرسين. حينما تولي"كيفن أور" مسئولية إدارة المدينة، كان عليه التعامل مع ديون بقيمة 18 مليار دولار (من بينها 14 مليارا يتم تسديدها علي المدي البعيد)، وأفصح "أور" عن خطة عمل بمقتضاها كان سيعمل علي تحقيق السيولة من خلال خصخصة بعض الشركات وخفض الإنفاق في مجال الصحة، ولكنه لم يخف في الوقت نفسه إحتمالية اللجوء لإشهار الإفلاس، وهو ما تم اعتباره، من جانب وكالة"موديز"للتصنيف الإئتماني، مؤشرا سيئا قابل لمزيد من التدهور وبالفعل انخفض تصنيف المدينة إلي "تريبل سي" وهو ما يعني استحالة الاستثمار فيها وانعدام قدرتها علي تسديد ديونها، وانتظر "كيفن أور" 6 أسابيع ليري ردود الفعل علي خطته، وكانت الاستجابة لمقترحاته صفرا تقريبا، وابتداء من يونيو الماضي توقفت المدينة عن سداد أي استحقاقات عليها للبنك في إشارة إلي أن الأسوأ قادم، وفي النهاية لم يعد هناك مفر من إشهار إفلاس "ديترويت". ولكي تستطيع المدينة أو إشهار إفلاسها بموجب البند 9، يجب أن يتوفر فيها عدة شروط أبرزها: أن تكون في حالة تعثر مالي، وأن تحصل علي إذن من الدولة، أن تكون مستعدة لتقديم خطة واضحة لجدولة ديونها، وأن تحصل كذلك علي موافقة معظم دائنيها، واكتمال هذه الشروط يسمح ببدء الإجراءات فورا، و يتم العهده بالملف إلي قاض متخصص في قضايا الإفلاس ونشر تفاصيل الملف في صحيفة محلية، وللقاضي الحق في رفض أو قبول الملف إذا رآه غير مكتمل، و بمجرد اكتمال هذه الشروط تتوقف المدينة عن سداد أي أموال و ليس من حق أي من دائنيها المطالبة بمستحقاته. المجلس المحلي التابع للمدينة المديونة ملزم بتقديم خطة لتعويض دائنيها تشتمل علي نقاط رئيسية أبرزها :تمديد استحقاق سداد الدين، وخفض نسبة الفائدة عليه، والتعهد بعدم الحصول علي قروض جديدة قبل سداد الديون المستحقة، وليس من حق الدائنين رفض الخطة بشرط أن تكون مكتوبة بصيغة قانونية رسمية جيدة، وفي المقابل تقوم لجنة قانونية مستقلة بتعيين محامين ومحاسبين ليتأكدوا من أنه تم احترام ومراعاة حقوق الدائنين، ولا تحصل الخطة علي تصديق المحكمة إلا إذا تأكد القاضي من أنها الأفضل علي الإطلاق لرد أموال الدائنين إليهم.