يتندر المصريون في الآونة الأخيرة علي سيل الفتاوي التي يروج لها بعض الدعاة المحسوبين علي التيار الإسلامي في ساحة رابعة العدوية، التي يتجمع فيها الآلاف من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، التي وصلت إلي حد ادعاء نزول سيدنا جبريل في مكان الاعتصام، وكذا أحلام بعض أنصار مرسي التي نقلها المتحدثون علي المنصة بشأن غرق وزير الدفاع في بحور من الدم، وإمامة مرسي للنبي ([). مزيد من التفاصيل وكذا رؤية علماء الأزهر وخبراء علم النفس والتربية لهذه الظاهرة الخطيرة التي تجتاح منصة رابعة وتداعب عقول البسطاء، في سياق السطور التالية. تشهد ساحة رابعة العدوية في مدينة نصر منذ بدأ اعتصام الآلاف من أنصار الرئيس المعزول بقرار من القوات المسلحة بعد ثورة 03 يونيو، حالة من الفوضي الدينية، التي يروج لها بعض دعاة الإخوان علي منصة الاعتصام، لما يمكن تسميته ب"الضحك علي الذقون"، باعتبار أن معظم المتواجدين هناك من أصحاب اللحي، وكان أبرز هذه الأضاليل ما قاله الداعية صفوت حجازي عقب سقوط عدد من القتلي في الأحداث التي دارت الأسبوع الماضي أمام مقر "الحرس الجمهوري"، حيث قال إنهم سيدفنون صورة مرسي مع قتلي الحرس الجمهوري، حتي تخفف عنهم أهوال عذاب القبر. ولم يكتف صفوت حجازي بذلك حيث اعتلي المنصة ليروي علي المحتشدين ما زعم أنه رؤيا لفتاة جاء فيها – بحسب نص كلامه – أنها "شافت السيسي في المنام وهو عايم في حمام دم.. وبيقولها الريس مرسي راجع.. بس لما آخد منكم الدم اللي أنا عايزه.. وبعدين غرق السيسي في دم الحمام"، لتنفجر هذه الحشود تهليلاً وفرحاً وتكبيراً، مرددين دعاء: "اللهم انصر دعوتنا وبارك في إخوتنا وبارك في قادتنا". ولم يكن حجازي هو بطل هذه الروايات وحده، بل عمد آخرون إلي اللعب علي وتر الدين موظفاً إياه في السياسة حين خرج الشيخ أحمد عبدالهادي من وعاظ جماعة الإخوان المسلمين، علي المعتصمين قائلاً إن "بعض الصالحين في المدينةالمنورة أبلغه برؤيا أن سيدنا جبريل (عليه السلام) دخل في مسجد رابعة العدوية ليثبت المصلين"، وأنه أيضاً رأي مجلساً فيه الرسول ([)، والرئيس مرسي والحضور، فحان وقت الصلاة، فقدّم الناس الرسول([) ولكن الرسول قدّم مرسي". في حين شبّه الشيخ مسعد أنور الرئيس المعزول محمد مرسي بالنبي يوسف (عليه السلام)، من جهة أنهما حكما بعد سنوات من المعاناة والسجن. كما ألقي الدكتور صلاح سلطان، خطبة الجمعة الماضية، أمام المعتصمين المؤيدين للرئيس السابق محمد مرسي، في ميدان نهضة مصر قرب جامعة القاهرة، واتهم خلالها أيادٍ نجسة صهيوأمريكية بتحريك دول خليجية أنفقت علي العملاء والإعلام نحو ستة مليارات دولار حتي سحروا أعين الناس. من جانبها وصفت الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر، المشهد في ساحة رابعة، وما يردده البعض من أضاليل بأنها أشبه بما كان يحدث في تاريخ أوروبا إبان العصور الوسطي، حيث كان رجال الدين ينسجون فتاوي غريبة علي آي صحيح دين، وقالت ل"آخر ساعة": ما يحدث انحراف فكري، ولا يوجد أبشع علي قوة المجتمع من الأمية الأبجدية والأمية الثقافية والدينية، فهؤلاء الذين يعتلون منصة رابعة، كأنهم يسوقون أمامهم أي آلة، وهذه الآلات البشرية المحتشدة هناك لا تفكر ولا تنظر في انحراف العقول عن صحيح الدين وقيمة الإنسان التي هي من اهتمامات الشريعة الإنسانية، وكأن هؤلاء المحتشدون مغيبون. وتابعت نصير: هؤلاء المتلقون لا يدركون لا تفسيراً ولا معني لهذا الوضع الذي هم فيه، ويطبقون مبدأ أساسياً في أدبيات جماعة الإخوان المسلمين هو "السمع والطاعة" دون إعمال لعقل أو منطق. في حين تقول الدكتورة رحاب العوضي الخبيرة النفسية، إن الفارق كبير بين الشباب المعتصمين في التحرير وأولئك المعتصمين الموجودين في ساحة رابعة، فالمجموعة الأخيرة ليس لديها تفكير أو علم أو ثقافة، وتتقبل أي خزعبلات يروج لها بعض الدعاة علي منصة رابعة، وأري أن ما يزعمه البعض من رؤي مثل مشاركة سيدنا جبريل عليه السلام في اعتصامهم أو إمامة مرسي للنبي([) في الصلاة، ما هي إلا أكاذيب يلجأون إليها وهي في حقيقة الأمر ميكانيزم دفاعي يسمي التبرير والتضليل لكسب تأييد البسطاء والجهلاء الموجودين في هذا المكان، ولا يجب أن ننسي أن المصريين شعب عاطفي يتأثر سريعاً برجال الدين، بل يصل الأمر أحياناً إلي حد تقديس رجال الدين والاقتناع التام بما يقولونه، فالدين كما يُقال هو أفيون الشعوب. وتضيف العوضي: ما يحدث في رابعة هو هروب إلي اللامنطق واللامعقول، والسبب في تقبل أنصار مرسي لهذه الأضاليل أن معظمهم من البسطاء والجهلاء وممن لم يتربوا علي فكرة تقبل الرأي والرأي الآخر، وبالتالي لا مجال لديهم لنظرية إعمال العقل وتدبر الأمور من حولهم. من جهته، يقول الدكتور وليد نادي الباحث النفسي بمعهد الدراسات التربوية في جامعة القاهرة: لتحليل هذه الظاهرة من الناحية النفسية، فنحن أمام أمرين الأول يتعلق بالملقي أو المرسل والثاني متعلق بالمتلقي أو المستقبل. وبالنسبة للملقي أو المرسل، ففي الغالب يكون هذا السلوك الصادر عنه إما كذباً أو وهماً، والكذب هو مفهوم دفاعي يتجه إليه الفرد في حالة من حالات الخوف ويمكن أن يكون نابعاً من وجود نقص في الشخصية، وهو يعني أن يخبر الفرد شيئاً بخلاف الحقيقة ويكون إما بتزييف الحقائق جزئياً أو كلياً أو خلق روايات وأحداث جديدة بنية وقصد الخداع لتحقيق هدف معين. أما عن الوهم فهو اعتقاد مرضي ويستمر فيه الفرد في تمسكه وتوهمه علي الرغم من وجود بعض الدلائل التي تثبت له عكس ما يتوهمه، ويجب التمييز بين الوهم وبين الاعتقاد المبني علي أساس من الزيف أو المعلومات غير الكاملة أو العقيدة المتزمتة أو الإدراك الشعوري أو الانخداع وغيرها. والوهم قد يأكل مساحة عقل الإنسان ويأكل حتي إنسانيته في أحيان كثيرة ويأكل هويته. ويضيف نادي: الأمر الثاني متعلق بالمتلقي الذي يعتقد في صدق تلك الرسائل فهو في الغالب يكون لديه انتماء ديني شديد إلي بعض الأفكار أو الأشخاص أو الجماعات، وقد يصل الأمر إلي درجة التعصب الشديد وخاصة ونحن كشعب مصري متدين بطبعه وأحياناً كثيرة يلعب ذوو النوايا السيئة علي الوازع الديني لدي بعض البسطاء الذين يرون في رجل الدين صوت الحق والعدل والحقيقة دوماً.