في الوقت الذي كانت فيه الدولة عاجزة عن نشر التعليم، كانت الهيئات والجمعيات، إسلامية ومسيحية، هي التي تتولي الجانب الأكبر من هذه المهمة الخطيرة. أخذ إسهام الأقباط في تطوير الثقافة والتعليم في مصر، بعد عزل الخديو إسماعيل سنة 1879 وحتي سنة 1924 أربعة أشكال: الشكل التعليمي (بتأسيس المدارس العامة، والفنية الصناعية، وانتقاء القائمين عليها من مديرين ومدرسات ومدرسين)، الشكل التعليمي الديني الخاص (إنشاء المدرسة الإكليريكية سنة 1893وبدء خدمة مدارس الأحد بالكنائس والجمعيات، إنشاء مدرسة الرهبان اللاهوتية بحلوان، إصدار العديد من المجلات الدينية الخاصة كالكرمة لصاحبها حبيب جرجس وعين شمس لصاحبها أقلاديوس لبيب والقبطية لصاحبها جرجس فيلوثاؤس عوض)، الشكل الثقافي العام (إنشاء الصحف، الإسهام في إنشاء الجامعة الأهلية، المشاركة في حركة التأليف والترجمة والنشر، إقامة المعارض والمتاحف وفي مقدمتها المتحف القبطي بمصر القديمة، إنشاء المكتبات)، الشكل الاجتماعي (تأسيس المجلس الملي العام والمجالس الفرعية لخدمة النواحي الاجتماعية والتعليمية، إنشاء المؤسسات الخيرية كالجمعيات والمشاغل والمستشفيات، إقامة النوادي، إقامة الأسواق الخيرية لخدمة أغراض البر). المدارس القبطية ونعني بها المدارس القبطية التي أسسها البابا كيرلس الرابع (1816 - 1861م) البطريرك 110 ثم تبعه البابا كيرلس الخامس (1824 - 1927م) البطريرك 112. فما كاد البابا كيرلس الرابع أن يجلس علي الكرسي البطريركي في سنة 1854 حتي سارع إلي إنشاء المدرسة الكبري للبنين في الدرب الواسع - الأزبكية - بجوار البطريركية والكاتدرائية الكبري، وباشر البناء بنفسه حتي بحلول سنة 1855 تم افتتاح المدرسة وقبول الطلاب من مختلف الأديان وجعل التعليم مجانياً (وبذلك كان سابقاً في فكره للدكتور طه حسين). ولما رأي البابا أن بعض الطلبة يقيمون في جهات بعيدة، أنشأ لهم مدرسة وكنيسة بحارة السقايين بعابدين. وكان الطلبة في كلتا المدرستين يتلقون إلي جانب اللغة العربية اللغة القبطية (كلغة قومية) واللغتين الإنجليزية والإيطالية والحساب والهندسة والعلوم الأخري. ثم بموافقة سعيد باشا التحق بعض تلاميذ المدرسة القبطية في مدارس الطب والهندسة وغيرها من المدارس. ثم سارع بإنشاء أول مدرسة قبطية للبنات في مصر بل وفي الشرق العربي كله (وبذلك كان سابقاً لقاسم أمين في فكره المستنير في أهمية تعليم المرأة) بجوار البطريركية بالأزبكية. ثم توالت بعد ذلك مدارس أخري: مدرسة البنات بحارة السقايين بعابدين، مدرسة المنصورة للبنين بالمنصورة، مدرسة بوش للبنين بعزبة أوقاف دير أنبا أنطونيوس ببوش. أما البابا كيرلس الخامس الذي جلس علي الكرسي المرقسي في عام 1874م، فبدأ بإنشاء قسم ثانوي سنة 1878م بمدرسة الأقباط الكبري بالأزبكية، وفي تلك السنة أسس بجوار الكنيسة المرقسية الكبري بالإسكندرية مدرسة المرقسية الثانوية وكانت من كبري مدارس الإسكندرية، كما كانت نتائجها ممتازة، وتخرج فيها العديد من رموز المجتمع أقباطاً ومسلمين، وظلت تحت إدارة البطريركية حتي عام 1992 حينما طلبت البطريركية تحويل مقر المدرسة إلي ديوان بطريركي وبناء مدرسة أخري بجوارها تحمل نفس الاسم لكن تابعة للحكومة. وفي سنة 1903 قام البابا كيرلس الخامس بتأسيس مدرسة صناعية في بولاق وعاونه في تأسيسها عالم كبير هو "وهبي بك تادرس" الذي كان مربياً فاضلاً وفناناً فقد قام بترجمة عدد من الروايات التمثيلية منها "تليماك" للمفكر الفرنسي "فولتير". كانت المدرسة الثانوية بالإزبكية أول مدرسة ثانوية أهلية بالقطر في وقت لم توجد فيه سوي مدرستين ثانويتين أخريين هما الخديوية والتوفيقية، ثم كانت المدرسة المرقسية بالإسكندرية ثانٍي مدرسة ثانوية أهلية. في عهد الآباء البطاركة في فترة السبعينيات وحتي نهاية الثمانينات تولي إدارة المدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية صفوة من رجال التعليم أذكر منهم د. متري أمين أستاذ اللغة الإنجليزية، الأستاذ جميل زكي أستاذ المواد الاجتماعية، والأستاذ صبحي إسكاروس أستاذ العلوم وغيرهم. ما إن جلس البابا كيرلس السادس (1902 - 1971) البطريرك 116 علي الكرسي المرقسي في 10 مايو 1959 حتي بادر بزيارة المدرسة المرقسية والالتقاء بإدارة المدرسة والطلاب وكانت الزيارة في 10 ديسمبر 1959 حيث حرص علي زيارة طلاب المدرسة في وقت حصة اللغة العربية وأثني علي الشيخ الأزهري مدرس اللغة العربية، ثم زار معمل الكيمياء وشاهد بنفسه إجراء إحدي التجارب العملية، ثم تفقد حجرة ناظر المدرسة ومكتبة المدرسة، كما جلس مع إدارة المدرسة وهيئة التدريس وأعضاء المجلس الملي السكندري بقيادة المستشار فريد بك الفرعوني (1905 - 1998) ليطمئن علي أحوال المدرسة وانتظام الدراسة. أيضاً حرص البابا شنوده الثالث (1923 - 2012) البطريرك 117 علي زيارة المدرسة وبصفته مدرسا سابقا فقد شارك في توجيه أسئلة للطلاب مع دعابته اللطيفة التي كان يشتهر بها. وهكذا شارك الأقباط تحت قيادة بطاركتهم الوطنيين في إثراء العملية التعليمية بتأسيس مدارس ومتابعة الدراسة بها وتوفير كل مستلزماتها.