سدود إثيوبيا تشكل خطراً على الأمن المائى المصرى أمن مصر المائي لايمكن تجاوزه أو المساس به هذا هو الأساس الذي يرتكز عليه موقف مصر الرسمي في التعامل مع أزمة سد النهضة الأثيوبي.. وفي نفس الوقت وكما أكد وزير الخارجية محمد كامل عمرو أنه بمجرد صدور تقرير اللجنة الثلاثية حول المشروع وهي اللجنة التي تضم خبراء من مصر والسودان وأثيوبيا فعلينا الانتقال إلي المرحلة الثانية من العمل وهي مرحلة الحوار من أجل التوصل إلي اتفاق يضمن تنفيذ توصيات تقرير الخبراء لاسيما أنه مازالت هناك مساحة كبيرة للحوار والنقاش بين الدول الثلاث من أجل التوصل إلي الشكل الأمثل للمشروع بما يضمن الحفاظ علي مصالح مصر المائية وتحقيق الأهداف التنموية لكل من مصر والسودان وأثيوبيا وتجنب أي آثار سلبية قد تضر بمصالح دول المصب.. ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة حراكا دبلوماسيا مكثفا هادفا للتنسيق مع الجانبين الأثيوبي والسوداني لضمان إتمام كافة الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع قبل استكمال عملية التنفيذ.. ومن هذا المنطلق تثار العديد من التساؤلات حول الأسلوب الأمثل لإدارة الحوار لضمان نجاح عملية التفاوض الرامية لحل أزمة سد النهضة؟ وماهي الأطراف التي يمكن الاتصال بها واللجوء إليها من أجل ضمان عدم وقوع أي أضرار علي مصالح مصر المائية جراء هذا المشروع؟ وما هو موقف مصر القانوني في حالة فشل عملية التفاوض واللجوء إلي التحكيم؟ حول كافة هذه التساؤلات دار الحوار مع السفيرة مني عمر مساعد وزير الخارجية السابقة للشئون الأفريقية. موقفنا القانوني في الأزمة يرتكز علي أسانيد قوية من الاتفاقيات الدولية في بداية الحوار كان التساؤل حول مدي أهمية أسلوب التفاوض في إدارة الأزمة المتعلقة بسد النهضة وماهي الركيزة الأساسية التي ننطلق منها لإنجاح هذا المسار؟ - لقد كانت مصر في انتظار معرفة نتائج التقرير الثلاثي للخبراء فيما يتعلق بالمشروع الأثيوبي ومن هنا يمكن أن نرتكز في حوارنا مع الجانب الأثيوبي في العمل علي تغيير بعض المواصفات الفنية في السد لتلافي أي أضرار قد تنجم عنه علي مصر وفي نفس الوقت يمكن للجانب المصري أن يقترح في مقابل ذلك مساهمته في إقامة مشروعات توفر لأديس أبابا بدائل من الطاقة والتي قد تفقدها إذا ما تم تعديل المواصفات الفنية للمشروع مثل تقليل حجم سعة الخزان وغيره. وعلي كافة الأحوال فإن علينا التوصل إلي حل مع الجانب الأثيوبي بما يحقق مصالح الطرفين دون أن تقع أي أضرار علي أي منهما. بناء الثقة ولكن ألا تعتقدين بأن تصريحات بعض الأصوات المعارضة لمشروع سد النهضة والتي بثت علي الهواء والتي نادي أصحابها باللجوء إلي الحل العسكري أو القيام بعملية تخريبية هي أمر قد يضر بموقفنا التفاوضي مع الجانب الأثيوبي في الفترة الحالية؟ - مبدئيا خلال الفترة السابقة كنا قد مضينا في إجراءات لإعادة بناء الثقة بين مصر وأثيوبيا علي المستويين الرسمي والشعبي ومما لاشك فيه فإنه نتيجة هذه التصريحات والتي أطلقها بعض الساسة المصريين قد حدث اهتزاز في الكثير من الثقة التي تم بناؤها خلال الفترة الماضية مع الجانب الأثيوبي ومن ناحية أخري فإن الجانب المصري لديه شكوك مشروعة في حقيقة النوايا الأثيوبية من هذا المشروع ومن هنا فإن الحاجة ماسة بأن نعمل بصفة عاجلة علي إعادة بناء هذه الثقة من جديد بحيث يكون هناك مصداقية لكل طرف من أطراف هذه الأزمة لدي الآخر. وكما ذكرنا فإن أول خطوة نقدم عليها في الوقت الحالي هي إعادة بناء الثقة ثم تكثيف الزيارات المتبادلة بين الجانب المصري والأثيوبي والعمل علي خلق مجالات متعددة للتعاون بين الجانبين لاتقتصر فقط علي مجال المياه مثل توقيع اتفاقيات في مجال الصحة والتعليم والطاقة والبنية الأساسية التي تخدم المصالح الأثيوبية المصرية المشتركة لاسيما أن هذه المشروعات من المتوقع أن تقوم بها شركات مصرية بما يعود علينا بفوائد كبيرة وحتي يتم ذلك بنجاح فنحن بحاجة لدعم قوي من الدولة. مد الجسور مع المانحين ماذا في حالة فشل الحل التفاوضي لاسيما أن الجانب الرسمي الأثيوبي أعلن أن مشروع السد غير قابل للتفاوض ولن نرضخ لأي ضغوط مصرية فكيف السبيل لمواجهة ذلك وبصفة سلمية؟ - لقد كانت لنا اتصالات عديدة مع المنظمات الدولية المانحة والدول التي يمكن أن تقوم بتمويل مثل هذا المشروع وأوضحنا لهم بدقة الأضرار التي يمكن أن تقع علي مصر جراء إنشاء أي مشروعات علي النيل الأزرق ومنابع النيل. وأود أن ألفت الأنظار هنا إلي أنه حتي الآن لم تقدم أي جهة دولية أو أي دولة علي تقديم تمويل بناء سد النهضة الأثيوبي فحتي هذه اللحظة لا يتوافر سوي التمويل الذاتي ومن ثم فإنه يمكننا تكثيف الاتصال ومد الجسور مع الجهات المانحة لمنع تمويل مثل هذه المشروعات التي قد تضر بمصالحنا المائية. ما حقيقة ما يتردد من أن هناك مساندة إسرائيلية وأمريكية للمشروع وأن هناك بعض الدول العربية قامت بتقديم عروض لتمويل المشروع وزراعة مساحات من الأراضي الأثيوبية وغير ذلك من التقارير الواردة إعلاميا؟ - قالت السفيرة مني عمر: مبدئيا لايمكن أن تساوي بين إسرائيل والدول العربية فالدول العربية أظهرت في كثير من المواقف مساندة لمصر في العديد من التحديات ومن ثم فإن تحرك مصر الدبلوماسي يجب ألا يقتصر فقط علي الحوار مع أثيوبيا ودول حوض النيل بل يتعدي ذلك بالاتصال المكثف مع الدول العربية والإسلامية والدول الكبري وقد سبق للولايات المتحدة تقدمها بعرض للوساطة في هذا الشأن وليس هناك مانع من النظر بعين الاعتبار في هذا الاقتراح لأن الهدف في النهاية هو منع وقوع أي أضرار علي مصر جراء هذا المشروع. وهنا أود القول بأن مايتردد عن مساهمات دولية أو عربية في المشروع هي مجرد إشاعات أو تكهنات وليس هناك أي تحرك جاد من قبل هذه القوي وحتي هذه اللحظة يؤكد الجانب الأثيوبي والمتخصصون والمتابعون للأمور بأن التمويل ذاتي ويأتي من تبرعات أبناء الشعب الأثيوبي ومواطني أثيوبيا في الخارج.. الذي يعتبرون مشروع سد النهضة بمثابة مشروع قومي سوف ينقل بلادهم إلي مكانة اقتصادية قوية. مسئولية تضامنية هناك من يشير إلي أن أوغندا وتنزانيا لديهما النية في إقامة أكثر من سد في منابع النيل مما يزيد موقف مصر المائي أكثر تعقيدا فكيف ترون كيفية معالجة هذا الموقف؟ - أتشكك في مدي مصداقية هذه التصريحات لأن إنشاء السدود لايكون بين يوم وليلة فمشاريع السدود هي مشاريع ضخمة تحتاج إلي وقت وإعداد كبير ودراسات متعددة والبحث عن وسائل تمويلية مضمونة ومن ثم لايمكن تنفيذ هذه المشروعات بين ليلة وضحاها إلا إذا كانت الدولتان لديهما مشروعات قديمة في هذا الشأن وتم الإعلان عنها مجددا وعلي كافة الأحوال فإن ما يأتي إلينا من مياه عبر أوغندا وتنزانيا لايتعدي نسبة 15٪. وأكدت السفيرة مني عمر أهمية إيجاد رأي عام قوي مساند للموقف المصري من هذه الأزمة كما دعت أثيوبيا لاجتماع لوزراء الري في حوض النيل فإن مصر عليها أن تدعو لاجتماع مماثل في أقرب وقت ممكن لعرض موقفها بقوة ووضوح.. وهنا أود أن أوضح أن المسئولية في التعامل مع هذه الأزمة لابد أن تكون تضامنية بين كافة أجهزة الدولة وأن يساند ذلك جهود شعبية ولكن بضوابط محددة وبتنسيق مع التحرك الرسمي أي أنه لامانع من دور مساند من الدبلوماسية الشعبية ولكن في حدود الخطوط التي تضمن مصلحة الدولة وأن تكون الكلمة الأولي للخبراء والمتخصصين. أسانيد قوية وفي نهاية الحوار ما هو موقف مصر القانوني في حالة اللجوء إلي خيار آخر مثل التحكيم؟ - اللجوء للتحكيم يتطلب مواقفة الجانب الأثيوبي عليه أيضا وعلي كافة الأحوال فإن موقف مصر القانوني يرتكز علي أسانيد قوية من الاتفاقيات المعترف بها دوليا ومعترف بها من الاتحاد الأفريقي. وأضافت موضحة: عند إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية تم الاتفاق علي قبول مبدأ (قدسية الحدود) حتي إذا كانت قائمة علي اتفاقيات تم إبرامها في عهد الاستعمار وقد التزمت كافة الدول الأفريقية بهذا المبدأ من أجل إحلال الأمن والاستقرار في القارة السمراء ومن ثم فإن اتفاقيات الأنهار المبرمة تخضع هي الأخري لنفس التعامل فمثلما هناك اعتراف باتفاقيات الحدود المتوارثة من عهد الاستعمار علي الدول الأفريقية كافة احترام اتفاقيات الأنهار المبرمة أيضا في السنوات الماضية ولايحق لها الاعتراض عليها أو مخالفتها.