لماذا نطرح مشروعاً غير مدروس وهناك آخر تمت دراسته منذ 4 سنوات وقابل للتطوير والتنفيذ؟ بهذا التساؤل بدأ المعماري المعروف حمدي السطوحي حديثه معي، معلقاً علي تصريحات وزير الآثار الجديد بشأن إعداد مشروع لاستغلال القبة الخرسانية في معبد أبوسمبل الفرعوني (جنوب الوادي)، وبخاصة أن السطوحي كما أكد في حواره مع "آخرساعة" وبحسب ما زودنا به من صور ومستندات، هو صاحب مقترح سبق وتقدم به إلي وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني عام 2009 وتمت وقتذاك دراسته من جانب خبراء متخصصين، ورغم ذلك يأتي الوزير الجديد ليطرح الموضوع للبحث مجدداً من دون التواصل معه. ما سر انزعاجك خلال الأيام القليلة الأخيرة بعد تصريحات وزير الآثار بشأن تطوير معبد أبوسمبل؟ فوجئت يوم 16 مايو الجاري بخبر علي لسان وزير الآثار يفيد بأن الوزارة بدأت في إعداد مشروع لاستغلال القبة الخرسانية المُشكلة لجبل معبدي أبوسمبل، المفاجأة لم تكن فقط بسبب عدم مخاطبتي كوني مُقترح ذلك المشروع، فما يحتويه الخبر من أفكار ومعلومات غير مدروسة وغير مقبولة أثرياً وفنياً، والمثير للتساؤل لماذا التسرع في طرح فكرة غير مدروسة في ظل وجود مُقترح تقدمت به عام 2009 إلي وزير الثقافة وقتذاك فاروق حسني وتمت دراسته من خلال متخصصين بالمجلس الأعلي للآثار حينذاك. أنا مندهش بسبب عدم مخاطبتي! وما هي الخطوات التي ستتخذها حيال هذا التجاهل؟ ذهبت بالفعل الاسبوع الماضي إلي مكتب وزير الآثار لكنني لم أتمكن من مقابلته فتركت له ملفاً كاملاً بتفاصيل المشروع ولم أتلق رداً حتي الآن. ما الذي كنت تنوي أن تقوله للوزير في هذا اللقاء؟ مبدئياً تم تجاوز حقوق الملكية الفكرية، كوني صاحب اقتراح تحويل القبة الخرسانية لمعبدي أبوسمبل إلي متحف توثيقي للإعجاز الذي قام به الآباء وهو نقل المعبدين، كما أن تفاصيل الفكرة التي تم اقتراحها في الخبر كارثية ولا تتبع الأصول الفنية أثرياً ومتحفياً، وبالتالي فإن أكثر ما سأهتم به وأحارب من أجله هو أن يتم تنفيذ مشروع يوثق الإعجاز العظيم الذي قام به آباؤنا في حقبة الستينيات من القرن العشرين، ويعالج المشاكل التي يمر بها معبدا أبوسمبل الآن، فالمعبدان في خطر شديد! حيث إن ألوان الرسومات الموجودة هناك تتلاشي تدريجياً بسبب الاحتباس الحراري، كما أن الإضاءة المستخدمة في المعبدين تعتبر قنبلة موقوتة، ووسائل الأمان والسلامة الخاصة بالقبة الخرسانية لم تراجع منذ زمن، وتأتي المفاجأة في تصريحات الوزير كما قرأناها في الصحف مع حديثه عن إضافة تذكرة لدخول القبة، وكأن هذا نوع من التطوير أو تحقيق إنجاز ما، وهو في الحقيقة تسطيح شديد للموضوع وعدم إدراك لقيمة هذه الآثار العظيمة. وصفت الفكرة المطروحة أخيراً بالكارثية. ما السبب؟ تفاصيل الفكرة بحسب الخبر الذي قرأته - تعاملت مع القبة علي أنها مجرد فراغ وليست إعجازاً يجب توثيقه، فالقبة الخرسانية جزء مهم جداً من الإعجاز الذي قام به آباؤنا في الستينيات والمتمثل في نقل معبدي أبوسمبل وعمل جبل صناعي عن طريق القبة حتي تظل هيئة المعبدين كما هي كأنهما منحوتان داخل الجبل. وبحسب ما جاء في الخبر سيتم وضع قطع أثرية من عصر رمسيس الثاني داخل القبة الخرسانية. تلك الجملة في حد ذاتها كارثية، فمن الناحية المتحفية والأثرية هذا قرار غير سليم، لأن القبة عمل عظيم مكون لجبل اصطناعي، ولا يصح أثرياً وضع شيء أصلي (الآثار) داخل آخر مستنسخ (الجبل الاصطناعي)، ومن الناحية العملية هذا الأمر صعب جداً، لأن الدخول إلي القبة يتم من خلال نفق ضيق ومتعرج، ما يعوق إدخال قطع أثرية تنتمي إلي تلك الحقبة التاريخية المعروفة بقطعها الأثرية الكبيرة. هذا بخلاف أن القبة جزء من إعجاز جيل خبراء الستينيات الذين أسميهم جيل الآباء، المتمثل في عبقرية نقل المعبدين، فالقبة في حد ذاتها قيمة عظيمة والعناصر المكملة لها والموجودة داخلها مثلها إعجاز يستحق الزيارة. أما أطروحتي فكانت تقوم علي توثيق إعجاز الآباء داخل جسم الإعجاز ذاته وهي القبة. المعبدان اللذان يمثلان عصر الأجداد والقبة التي تمثل عصر الآباء والتنقل بين العصرين زمنياً إشكالية يجب أن يتم التعامل معها بحذر واحترافية فائقة في التصميم لذا فقد تضمن المشروع الذي اقترحته منطقة لتهيئة الزائر أن ينتقل من زمن الأجداد إلي الزمن الحالي ومن ثم إلي زمن الآباء. كيف بدأت التفكير في مشروع القبة الخرسانية للمعبد؟ الفكرة ترجع إلي العام 1996 حيث كنت في زيارة إلي "أبوسمبل" لتصميم أحد المراكز الخدمية هناك فبدأت دراسة المدينة اقتصادياً، عدد السائحين الزائرين للمنطقة الأثرية، الفترة الزمنية التي يقضيها السائح.. إلخ، وزرت القبة وكانت زيارة مختلفة لي تماماً، وقفت داخلها كثيراً متأملاً ومتألماً. متأملاً الإعجاز الذي قام به الآباء والذي لا يقل عن الإعجاز الذي شيده الأجداد، ومتألماً لأنني كنت أتساءل: كم منا يعلم كيف تم نقل المعبدين، وكم منا يعلم كيف نحت المعبدان، وكم منا يعلم أن هذا الجبل ليس حقيقياً إنما هو محاكاة لما كان حقيقياً، بل من منا زار تلك القبة الخرسانية الضخمة المختفية! في تلك اللحظة أدركت ضرورة أن يتم توثيق الإعجاز الذي حققة الآباء داخل جسم الإعجاز ذاته (القبة الخرسانية) من خلال متحف توثيقي يعرض المراحل المختلفة للنقل، وقررت وقتذاك إعداد دراسات ومقترح لتقديمه للجهات المعنية. وهل قدمت هذا المقترح؟ بالفعل بدأت العمل وأنجزت دراسات عدة مع متخصصين في الآثار المصرية وأعمال الترميم حتي أعددت مُقترحاً تقدمت به إلي وزارة الثقافة والمجلس الأعلي للآثار في العام 2008 والمشروع ليس متحفاً توثيقياً فحسب، فهو يتعدي حدود القبة ليحل مشاكل المعبدين (المتمثلة في الاحتباس الحراري والرطوبة) ويعمل علي استثمار هذا الإعجاز في تنمية مدينة أبوسمبل. كيف تحل مشكلة الاختفاء التدريجي لألوان الرسوم الموجودة في المعبدين؟ من المعروف ان الأحجار تتنفس من خلال المسام الموجودة بينها، بينما الخرسانة أقل مسامية عن الأحجار، فوجود سقف خرسانة أعلي المعبدين تسبب في عدم تسرب الرطوبة إلي أعلي الجبل إلي جانب عدد السائحين، وتوجد مسارات خفية للهواء في الغرف الجانبية للمعبد تخرج الهواء إلي القبة، وبمرور الوقت حدث احتباس حراري داخل القبة، ولم ينجح استخدام وحدات امتصاص الرطوبة داخل القبة في حل المشكلة، لذا يهدف المشروع إلي تهوية القبة ومن ثم تهوية المعبد عن طريق محطة تهوية خارج نطاق الجبل ويتم تمديد شبكة الهواء أسفل أرضية أنفاق الدخول إلي القبة، فإذا كانت القبة بالنسبة للمعبد هي الهيكل العظمي المشكل للجبل الاصطناعي، فالمشروع يضيف إليها وظيفة جديدة، وهي أن تكون بمثابة الرئة التي تقوم بتهوية المعبد. ما هي عناصر المشروع وأهدافه الأساسية؟ لدينا كنز هو إعجاز نقل المعبدين متمثل في القبة الخرسانية التي لا يوجد لها مثيل، حيث يتم تصنيفها باعتبارها أهم عمل هندسي له علاقة بأثر علي مستوي العالم، ولدينا مشاكل أهمها الاحتباس الحراري الذي يؤثر علي ألوان رسومات المعبد ولدينا مدينة تستفيد استفادة محدودة جداً، ومما سبق تم تحديد أهداف المشروع في عدة نقاط أبرزها: علاج مشكلة الاحتباس الحراري من خلال تهوية القبة ومن ثم تهوية المعبد، استثمار الإعجاز ثقافياً وتعليمياً واقتصادياً، والمعرفة والدراسة من خلال مركز للدراسات والبحوث ينشأ بمدينة أبوسمبل. حدثني عن العناصر الرئيسية في المشروع؟ أولاً "منطقة التهيئة"، وتقع قبل مدخل القبة ويتم فيها تهيئة الزائر لأخذه في رحلة عبر الزمن من الزمن الحالي إلي زمن الآباء بعد أن كان داخل المعبد في زمن الأجداد. ثانياً "المتحف التوثيقي" وينقسم إلي ثلاثة أقسام رئيسية: الممر الزمني الذي يتم فيه أخذ الزائر في رحلة بتدرج زمني للمراحل المختلفة للنقل، ثم فراغان الأول يتم فيه توثيق كل من شارك في هذا العمل العظيم، والثاني لعرض الأدوات المستخدمة في النقل والتقطيع، والثالث يضم العناصر الموجودة بالفعل داخل القبة كوسائل أمان مثل خراطيم الزيت المسئولة عن كشف التمدد الزائد في الخرسانة والبراميل المحتوية علي أثقال معلقة في كابلات لكشف الحركة والإزاحة الونش.. إلخ. ثالثاً "مركز خدمة الزائرين"، وهو بداية الزيارة عند أماكن انتظار الأتوبيس به وقاعة لعرض الأفلام التسجيلية عن عملية النقل ومكتبة تضم الكتب والدوريات التي وثقت الإعجاز. رابعاً "معهد ومركز بحوث"، ويقع في مدينة أبوسمبل ويهدف إلي توفير نواة لتنمية المدينة ويقوم بالبحث والتعليم والتدريب. كيف كان رد فعل وزارة الثقافة وقتذاك في عهد فاروق حسني؟ في أواخر العام 2008 أرسلت خطاباً إلي وزير الثقافة وقتذاك فاروق حسني أقترح فيه إقامة هذا المشروع وأبلغه أنني قمت بإعداد الدراسات اللازمة وعلي استعداد لعرضها علي الجهات المعنية، وبعد عدة أيام فوجئت برئيس الإدارة المركزية للشئون الهندسية بالمجلس الأعلي للآثار يتصل بي ويبلغني بأن وزير الثقافة أرسل خطاباً إلي رئيس المجلس الأعلي للآثار لدراسة المشروع والذي بدوره أرسله إلي رئيس قطاع المشروعات ومن ثم رئيس الإدارة المركزية للشئون الهندسية، وبالتالي ذهبت إليه ومعي المشروع الابتدائي وعرضته عليه وتناقشنا بشأنه، وأبدي إعجابه بالفكرة وطلب مني أن نذهب في زيارة إلي أبوسمبل لمناقشة الفكرة علي الطبيعة. وبعد عدة أشهر تم ترتيب زيارة لأبوسمبل ضمت رئيس الإدارة المركزية للشئون الهندسية ورئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه القبلي ورئيس الإدارة المركزية للترميم ومدير آثار أسوان وانضم إلينا هناك مدير آثار أبوسمبل، واستمرت الزيارة يومين تمت دراسة المشروع ومناقشته خلالها، وأبدي الجميع الموافقة عليه. وبعد العودة إلي القاهرة رفعوا تقريراً بنتائج الزيارة، وتوقف المشروع لانتظار الموازنة الجديدة وتم تأجيل تلك الخطوة حتي قامت ثورة يناير 2011 وتوقف المشروع تماماً. وما أهمية هذه القبة الخرسانية من الناحية العلمية؟ حين بدأت عملية إنقاذ آثار النوبة والتي تم خلالها إنقاذ حوالي 13 معبداً، كان معبد أبوسمبل المشكلة الأكبر، والتي تكمن في أن المعبد ليس منشأ مثل معبد "فيلة" أو "كلابشة" فهو معبد منحوت داخل الجبل وبالتالي فإذا أردت نقله فأنت تنقل الجبل الحاوي للمعبد وهنا تكمن الصعوبة فكيف سيتم نقل الجبل! المشروع الفائز في المسابقة التي طرحت في ذلك الوقت كان صاحب فكرة عبقرية وهي عمل قبة خرسانة ضخمة توضع عليها الرمال والأحجار لتشكل الجبل فيبدو لنا أن المعبد وكأنه منحوت في داخل الجبل طبقاً لهيئته الأصلية مع أن هذا الجبل ليس حقيقياً بل اصطناعيا. هل هناك عائد آخر للمشروع؟ هناك عائد معنوي شديد الأهمية، فنحن كثيراً نتحدث عن التاريخ البعيد، فنتذكر ونفتخر بإنجازات أجدادنا، لكن قلما نتأمل إنجازات قام بها جيل في الماضي القريب مع أننا في أشد الحاجة إلي ذلك، فحين ندرك قيمة إنجاز الآباء ندرك قيمتنا وقدرتنا علي أننا نستطيع!