قرأت كتابا جديدا صادرا عن دار الهداية للنشر من تأليف الدكتور جاسر عودة مدير مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية بلندن. والكتاب فيه رؤي جديدة عن حكم ابن عطاء الله السكندري، وابن عطاء الله ليس في حاجة إلي تعريف فهو أحد علماء الأزهر الشريف، وتلميذ الإمام الشاذلي، وجمع بين الحقيقة والشريعة.. وقد كتب بعض القواعد والآداب في السلوك مع الله، والذي كتب في هذا العلم في صيغة (حكم) كل حكمة عبارة عن جملة بليغة تعالج موضوعا دقيقا، وترشد المسلم إلي خطوة في طريق الله عز وجل، وهذه الحِكَمْ هي في الحقيقة رحلة إيمانية بمعني الكلمة،انتفي منها المؤلف ثلاثين مقطعا قدمها في صورة (محطات) أو معالم طريق هذه الرحلة. وتبدأ الرحلة بالسلوك إلي الله من خلال التوبة والرجاء والإخلاص والتوكل والتفكر وتخليص النفس من عيوبها، وتنتهي بنا إلي مقامات الخشوع والرضا والإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).. ويتحدث المؤلف عن ابن عطاء الله فيقول عنه أنه فقيه ومحدث، ونحوي، وله باع في علوم شرعية ولغوية مختلفة، ليس فقط في علم التصوف. أما المنهج الذي اتبعه في الشرح فيبدأ بإثارة الأسئلة حول معني الحكمة والإجابة عليها عن طريق شرح للحكمة بلغة سهلة في سياق المرحلة أو (المحطة) في الرحلة، ثم التأصيل والتدليل علي كل معني جديد من كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، فأحيانا مايبدو كلام أهل السلوك غريبا مثل (الوصية بالعزلة) أو عدم الاعتماد علي العمل، أو عدم الرضا عن النفس، أو البركة، ولكننا حين نعود إلي الأصول مثل اعتكاف النبي صلي الله عليه وسلم في رمضان وغير رمضان، أو حديث (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) أو آية (ولا أقسم بالنفس اللوامة) أو ذكر البركة في كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم تثبت الحجة ويتضح المعني ويزول الإشكال. والكتاب متعة للقارئ لما فيه من عمق المعاني في كلمات قليلة دقيقة، يشعر القاريء بجمال القرب من الله جل علاه.