هي الأقلية الأكثر اضطهاداً في العالم طبقاً لتصنيف الأممالمتحدة، حيث يتعرض مسلمو "الروهينجا" في ميانمار لكل أشكال التمييز العنصري والديني من الأكثرية البوذية في ميانمار، ويعانون من انتهاكات جسيمة تبدأ من العنف والاغتصاب والتهجير الجماعي حتي القتل والتطهير العرقي الممنهج والذي عاد إلي المشهد من جديد من خلال أعمال عنف جديدة أدت إلي مقتل 40 مسلما خلال الأسبوع الماضي. عمليات العنف ضد المسلمين في ميانمار بدأت في الأول من شهر يونيو عام 2012 حين قتلت عصابات من البوذيين 10 رجال دين مسلمين ثم امتدت أعمالها بعد ذلك إلي إحراق عدد كبير من المنازل والقتل العشوائي للعشرات، وفي 8 يونيو هاجمت تلك العصابات صلاة الجمعة في مدينة منغدو المتاخمة لحدود بنجلاديش، وعند مواجهة المسلمين لتلك الهجمات المفاجئة أطلقت الشرطة الرصاص علي المصلين الأبرياء؛ مما أسفر عن مقتل أربعة مصلين. بعدها بدأ البوذيون المسلحون في تكوين ميليشيات قامت بحملات منظمة علي المسلمين وذلك بتواطؤ وتعاون واضح من رجال الشرطة والجيش وفي 10 يونيو 2012 تم فرض حظر التجوال علي المناطق التي تقطنها الأقلية المسلمة، وقامت الجماعات البوذية بشن حملة تطهير عرقي وديني راح ضحيتها آلاف من المسلمين الأبرياء بين القتلي والمصابين بالجروح، بخلاف إحراق أكثر من ثلاثة آلاف منزل من منازل المسلمين. وقد تجددت أعمال العنف والقمع ضد المسلمين في ميانمار في الأسابيع الأخيرة بعد هدوء نسبي استمر فترة قصيرة، حيث قتل أكثر من 40 شخصا في اشتباكات دامية بين مسلمين وبوذيين، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في 3 مدن. وأرجع البعض أعمال العنف إلي عوامل متشابكة، من أبرزها تدفق رسائل الحقد علي الإنترنت وهجوم بعض الصحف في ميانمار علي الأقلية المسلمة التي لا تعترف بها الدولة وينظر إلي العديد من أبنائها علي أنهم مهاجرون غير شرعيين، في حين يحتقرها آخرون، فضلاً عن عدم تصدي بعض النخب مثل الرئيس "ثين سين" وزعيمة المعارضة "أونغ سان سو تشي" للتصريحات المتعصبة وحملات كره الأجانب، وهو الأمر الذي أدي إلي تعرض الحكومة لانتقادات دولية وإقليمية لالتزامها بالصمت إزاء هذه المسألة. الاضطهاد ضد المسلمين في ميانمار ليس وليد اليوم، فقد بدأ أولاً إبان الاستعمار البريطاني حيث قام البوذيون وقتها بمذبحة ضد المسلمين عام 1942 أوقعت أكثر من 100 ألف مسلم. وبعد أن حصلت ميانمار علي الإستقلال في 4 يناير عام 1948 تفاءل المسلمون خيراً بعد أن نص الدستور البورمي ضمن حرية المعتقد وحق القوميات العرقية ممارسة أديانها بحرية؛ لكن (مستر يونو) أول رئيس وزراء تجاهل جهاد المسلمين وقتالهم المستعمر والذي كان تحت ولاء (منظمة برمن مسلم كنجرس) بقوله إن لا مسوغ لأن يكون للمسلمين عضوية في المجالس النيابية، وعليهم أن يعملوا داخل حزب بورما مع التخلي عن منظمتهم سابقة الذكر. ومع ذلك عاش المسلمون هناك عيشة جيدة، حيث اشتهروا بالتجارة وبنوا ما يربو علي 3000 مسجد ومدرسة، بل ساعدوا مساجد ومدارس المسلمين في القارة الهندية، وكان في آخر حكومة وطنية قبل الانقلاب الشيوعي 3 وزراء مسلمين منهم (السيد عبد الرزاق) الذي كان له أثره الذشي لم يكن لأي وزير مسلم آخر. وفي عام 1962 م حدث الانقلاب الشيوعي بقيادة الجنرال (تي ون) والذي أعلن بورما (دولة اشتراكية) وذكر علناً أن الإسلام هو العدو الأول، وترتب علي ذلك حملة ظالمة علي المسلمين وتأميم أملاكهم وعقاراتهم، وفرضوا الثقافة البوذية والزواج من البوذيات وعدم لبس الحجاب للبنات المسلمات والتسمي بأسماء بوذية، وأمام هذا الاضطهاد المرير ارتد بعض المسلمين ليتمتعوا بحقوق المواطنة الرسمية بعيداً عن الاضطهاد والتنكيل، واضطر الكثيرون للهجرة القسرية من ديارهم وأملاكهم إلي دول العالم الإسلامي وبخاصة بنجلادش بعد حملات عسكرية إجرامية علي أراضيهم وأماكنهم. في 4 يوليو 1981م سنت الحكومة البورمية مسودة قانون جديد للمواطنة ضيق علي المسلمين وصدر عام 1982 وهو يقسم المواطنين إلي درجات، ووضع المسلمين في الدرجة الثالثة، حيث صنفوا علي أنهم أجانب دخلوا بورما لاجئين أثناء الاستعمار البريطاني، وتم سحب جنسيات المسلمين وصاروا بلا هوية وحرموا من كل الأعمال وصار بإمكان الحكومة ترحيلهم متي شاءت، ثم اقترحت الحكومة البورمية أربعة أنواع من الجنسية هي الرعوي والمواطن و المتجنس وعديم الجنسية، وبناء علي هذا التقسيم لا يحصل المسلم علي الجنسية إلا بعد أن يتقدم بطلب للحكومة بشروط تعجيزية. وبهذا القانون طاردوا المسلمين وأصبحوا كاليتامي علي مائدة اللئام مما عرضهم للاضطهاد والقتل والتشريد. فضلا عن ذلك، شكل النظام الحاكم ميليشيا مسلحة هي " الناساكا"، مهمتها نشر الرعب ومصادرة الأراضي والقيام بالأعمال الوحشية و الاغتيالات والاغتصاب والتعذيب، وقد أصبحت هذه الممارسات عملة رائجة. وتعرضت عدة قري لغارات مدمرة لأنها وضعت موضع شبهة، كما حدث في منطقة "سيتيو" في 4 فبراير 2001. وفي ظل أعمال العنف المستمرة، اتهم أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حكومة ميانمار بالتواطؤ والتخاذل في حماية الأقلية المسلمة وقال إن الحكومة لم تقم بواجبها تجاه حماية أرواح المستضعفين وأبدي استغرابه من تصرفات الأكثرية البوذية حيث إنه من المعروف دوماً أن البوذية تدعو للتسامح والسلام، لكنهم تحولوا في ميانمار إلي أيديولوجية للكراهية ضد المسلمين، وتأتي طائفة منهم تحرق بيوت المسلمين ومساجدهم وتطردهم من وطنهم. وطالب أوغلي الدول الإسلامية بإعادة النظر في علاقاتها بميانمار، وحشد رأي عام دولي لإنهاء المأساة الإنسانية والإضطهاد والتطهير العرقي الذي يتعرض له المسلمون هناك. فيما أشار مقرر الأممالمتحدة الخاص لحقوق الإنسان في ميانمار توماس أوجيو كينتانا الدولة في ميانمار إلي ضلوع في أعمال العنف التي وقعت مؤخرا بمدينة ميكتيلا بوسط البلاد، وخلفت مقتل أربعين شخصا، إضافة إلي هدم مساجد ومنازل مسلمين بعدما امتدت الهجمات لبلدات أخري. وأعلن كينتانا أنه تلقي تقارير أشارت إلي "ضلوع الدولة" وقوات الأمن في بعض أعمال العنف التي تستهدف المسلمين. وأضاف المسئول الأممي أنه في بعض الحالات، فإن العسكريين وعناصر الشرطة وقوات أمن أخري "لم يتحركوا فيما كانت هذه الفظائع ترتكب أمام أعينهم، بما في ذلك ما قامت به مجموعات بوذية قومية منظمة جدا". فيما قال فيل روبرتسون نائب مدير قسم آسيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن الحكومة البورمية تفرض قيودًا علي المساعدات الإنسانية، وطلب من الحكومة السماح للوكالات الإنسانية بحرية الوصول إلي السكان المسلمين لتقديم المساعدة، وإلغاء المناطق العازلة، وطرح خطة لعودة عشرات الآلاف من المشردين في مخيمات اللاجئين في غرب "ميانمار" إلي ديارهم. وأضاف "روبرتسون": القيود الحكومية علي المساعدات البورمية للمسلمين "الروهينجا" خلقت أزمة إنسانية من شأنها أن تتحول إلي كارثة عندما يصل موسم الأمطار، وبدلاً من التصدي للمشكلة، فإن قادة "ميانمار" يبدو أنهم عازمون علي إبقاء "الروهينجا" في المخيمات بدلاً من التخطيط لهم بالعودة إلي ديارهم. وفي ظل كل هذه الجرائم لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف هذه المأساة بل علي العكس صادق مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع علي خيار الرئيس باراك اوباما لأول سفير للولايات المتحدة في بورما منذ أكثر من عشرين عاما بسبب ما اعتبرته أمريكا تجربة ديمقراطية وليدة لميانمار حتي لو كانت هذه التجربة علي أشلاء المسلمين.