تحولت بؤرة الصراع الميداني في القاهرة إلي منطقة جبل المقطم (شرق العاصمة)، حيث يوجد مقر مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، بعدما ظلت القوي المعارضة للنظام الإخواني الحاكم متأرجحة في مواقع تعبيرها عن الرأي ما بين ميدان التحرير باعتباره أيقونة الثورة، ومحيط قصر "الاتحادية" الرئاسي باعتباره مقر الحكم، وبعد مداهمة مجهولين لمكتب الإرشاد قبل أشهر، أسفرت عن خسائر مادية فقط، عاد مقر الإرشاد إلي صدارة المشهد مجدداً، عقب دعوة أطلقتها الأسبوع الماضي قوي ثورية للتظاهر أمامه يوم الجمعة الماضية اعتراضاً علي اعتداء مجموعة من شباب الإخوان علي نشطاء سياسيين وصحفيين تواجدوا لتغطية الأحداث، لكن سرعان ما تطورت الأوضاع ليتحول التظاهر السلمي إلي معركة حامية الوطيس بين مؤيدي ومعارضي النظام دفعت بعض دوائر الإعلام إلي وصفها ب"موقعة الجبل". شهدت الجمعة الماضية أحداث عنف بين موالين لجماعة الإخوان المسلمين ومعارضين للنظام، وصلت ذروتها عند محيط ميدان النافورة قرب مقر مكتب إرشاد الجماعة بالمقطم، بعدما وقع اثنان من شباب الإخوان في قبضة عدد من المتظاهرين، الذين انهالوا عليهما ضرباً بالعصي والأسلحة البيضاء، وبمرور الوقت تحولت المنطقة إلي ما يشبه ساحة الحرب، حيث تبادل الطرفان التراشق بالحجارة، وتساقط عدد كبير من المصابين، غالبيتهم من أنصار الجماعة، وفق شهود عيان، في حين هاجم العشرات من معارضي الرئيس محمد مرسي مجموعة من الحافلات وأضرموا فيها النيران، إذ تردد أنها مخصصة لنقل الإخوانيين من مناطق متفرقة إلي مقر الجماعة، وقبل أن تمتد النيران إلي الوحدات السكنية في المنطقة، قام الأهالي بتنظيم لجان شعبية لمنع دخول أي شخص غريب عن المنطقة، كما أشعل متظاهرون النيران في سيارة ملاكي، حيث ذكر بعضهم أن قائدها دهس بها متظاهرين. وتبادل طرفا الصراع الهتافات المضادة، فبينما ردد المتظاهرون هتافات مناوئة لجماعة الإخوان المسلمين ومرشدها العام محمد بديع والرئيس محمد مرسي، هتف أنصار الجماعة ضد قيادات جبهة الإنقاذ الوطني "أكبر كيان معارض في مصر"، في إشارة منهم إلي أن قيادت الجبهة هي المسؤولة بشكل كامل عن التحريض علي أعمال العنف في الشارع، وامتدت الاشتباكات إلي محيط مسجد الحمد بالقرب من مكتب الإرشاد، وتم احتجاز البعض بداخله لحين تدخل قوات الأمن لفك أسرهم. وبينما بدأ المتظاهرون في رشق قوات الأمن المركزي التي تواجدت في صدر مقر مكتب الإرشاد لحمايته بقنابل المولوتوف، ردت قوات الأمن بتصويب قنابل الغاز المسيل للدموع في اتجاههم. وبحسب تقديرات رسمية فقد أصيب نحو 002شخص جراء اشتباكات الجمعة، بإصابات متباينة بعضها بالغ الخطورة، نتيجة استخدام أسلحة بيضاء وحجارة وقنابل مولوتوف وبنادق خرطوش، وعصي غليظة. اتهامات متبادلة في أعقاب ذلك، اندلعت موجة من الاتهامات المتبادلة، بشأن المسئول عن أحداث "موقعة الجبل"، بين رموز القوي السياسية والحزبية، الموالين للنظام وجماعة الإخوان المسلمين من جهة والمعارضين من جهة أخري، بينما أمر النائب العام المستشار طلعت عبدالله بفتح تحقيقات موسعة في بلاغ تقدمت به جماعة الإخوان المسلمين ضد 41 شخصية سياسية وحزبية وعدد من المسئولين عن إدارة بعض الصفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين دعوا إلي التظاهر أمام مقر مكتب الإرشاد الجمعة الماضية. في حين علق رئيس حزب الدستور والقيادي في جبهة الإنقاذ الوطني محمد البرادعي علي أحداث المقطم، من خلال تغريدة علي موقع "تويتر" السبت الماضي قال فيها: "العنف يولد العنف ومأساة الوطن لن تحل بالعنف، النظام هو المسؤول عن حماية المواطنين والتعامل مع أسباب العنف وتداعياته، لنتقي الله جميعاً في مصر". من جهته علق رئيس حزب المؤتمر المصري وعضو جبهة الإنقاذ عمرو موسي علي اشتباكات المقطم من خلال بيان أصدره السبت الماضي قال فيه: "الأحداث التي تداعت في المقطم تُحزن كل مصري وطني، جميعنا ننبذ العنف ولا يمكن أن نتقبل العنف المضاد.. المبادئ لاتتجزأ". وأضاف البيان: شاهدنا بالأمس (الجمعة) مرة أخري اقتتال المصريين واستباحة دمائهم في صراع سياسي سخيف، هذه مقدمة لانهيار الدولة، وأعرب عن إدانته للعنف والتصعيد، وتشجيع البعض علي الصدام بما في ذلك الاعتداء علي مقار الأحزاب وجمعية الإخوان المسلمين". من جانبه، استنكر حزب الوسط في بيان له، الأحداث التي وقعت أمام مكتب الإرشاد من حرق وتدمير وتمثيل بالجثث وحصار للمقار الحزبية والمساكن والمساجد وإرهاب ورعب المواطنين في الشوارع والبيوت، وقال إن هذا لا تكفيه عبارات الشجب والإدانة مهما كانت بلاغتها. وتابع البيان: إن الوقت الآن هو وقت الحسم ووضع الأمور في نصابها من خلال الإجراءات القانونية الرادعة لكل من تسول له نفسه ممارسة الإرهاب ونشر ثقافته الإرهابية وسط المصريين المسالمين عبر تاريخهم كله، مضيفاً أن حزب الوسط يُجمد كل ما صدر عنه من دعوات أو مبادرات للحوار مع قوي ورموز سياسية داعمة وراعية للعنف والإرهاب والقتل، دون أن يسمي البيان هذه القوي والرموز السياسية! إدانة حكومية وفي أول رد فعل حكومي، أدان مجلس الوزراء أعمال العنف التي شهدتها عدة مناطق بالقاهرة والمحافظات يوم الجمعة، وتضمنت هجمات وحرقا لبعض المنشآت وحصارا للمساجد، وأكد في بيان له "التزام الحكومة بأداء واجبها في حماية المواطنين والمنشآت مِمَنْ يحاولون التعدي عليها بقصد جر البلاد إلي دائرة من العنف والعنف المضاد بما يؤدي إلي إفشال عملية الانتقال الديموقراطي التي نسعي جميعاً إلي استكمالها بإجراء الانتخابات البرلمانية". ودعا البيان جميع القوي السياسية والمدنية إلي نزع الغطاء السياسي عن هؤلاء الذين يمارسون العنف ويحرقون المقار والصحف "علي جميع انتماءاتها"، مؤكداً أن "هذه الممارسات لا تهدف إلي مصلحة البلاد ولكن تحقيقاً لأهداف مشبوهة تنال من سلامة الوطن وأمنه. تعقيب الأمن علي المستوي الأمني، تباينت الآراء بشأن المسئول عن الأحداث، وقال العميد إبراهيم عبدالعزيز أحد قيادات تأمين مقر الإرشاد، والذي أصيب بنحو 02طلقة خرطوش في قدميه إن غالبية المتظاهرين الذين تواجدوا أمام المقر شباب وأطفال تتراوح أعمارهم بين 21 إلي 02 عاماً، وهي نفس الوجوه التي كانت تقوم بأعمال شغب وتهاجمنا في أحداث مجلس الوزراء وقصرالنيل ومحمد محمود، وجوههم مشوهة وأسماؤهم غريبة، لذا أري أنهم مأجورون للخراب. وأكد عبدالعزيز أن الشرطة لم تطلق الخرطوش في أحداث المقطم الأخيرة، وأقصي ما استخدمته كان قنابل الغاز المسيلة للدموع، موضحاً أن القوات انتقلت فور علمها بحصار مجموعة من المصلين داخل مسجد الحمد بالمقطم وقامت بإخلاء المصلين من المسجد. من جانبه، أوضح الخبير الأمني اللواء أشرف أمين أن عدم تصرف الحكومة أو القيادة السياسية في مثل هذه الأمور والعمل علي نزع فتيل الأزمة التي تتصاعد بين الإخوان والمعارضة، أدي إلي حالة من الاحتقان وانتشار أعمال العنف، مشيراً إلي أن الفترة الماضية تم الزج ببعض المؤسسات القضائية والعسكرية والآن يتم الزج بالشرطة حتي تنهار تمهيداً لظهور الميليشيات المسلحة لتولي مهمة حفظ الأمن، وهناك خطة ممنهجة لإسقاط مؤسسات الدولة ليسيطر عليها الإخوان، وفشلهم في أخونة الشرطة دفعهم إلي إضعافها حتي يوجدوا البديل لتنفيذ خطتهم في السيطرة علي الدولة، أما من ناحية قواعد تأمين مقر المقطم من قبل الشرطة فكانت هناك سلبية لكن هذه السلبية أحياناً تكون مفيدة حتي لا يقع مزيد من الضحايا والخسائر، خاصة أننا نعيش أجواء من الفتنة ولا أستبعد أن يكون وراء هذه الأحداث أجهزة مخابراتية غربية تعمل بتعاون مع أجهزة مخابراتية عربية ولابد من وضع ذلك في الاعتبار. واعتبر مديرالمباحث الجنائية بالجيزة اللواء محمود فاروق أن مصر هي الخاسر النهائي من وراء أعمال العنف والتخريب، ومن قبلها سيخسر طرفا الصراع من الإخوان المسلمين والمعارضة، لأنهم لم يدرسوا خطورة الوضع وما يقومون به من تبادل الاتهامات وذلك نتيجة عدم وعي الطرفين، مطالباً قيادات الإخوان بتنبيه شبابهم إلي عدم التسرع والتحلي بالصبر إذا قام الطرف الآخر باستفزازهم، كما طالب قيادات المعارضة بالكف عن الحشد أمام المنشآت والمقار الحزبية والالتزام بسلمية التظاهر. في حين أكد مساعد رئيس قطاع الأمن العام اللواء عبدالفتاح عيسوي أن وزارة الداخلية أهابت بأصحاب دعوات التظاهر أمام مقر جماعة الإخوان بالمقطم عدم اللجوء إلي العنف، علي أن تلتزم الشرطة بمهامها في الحفاظ علي المنشآت وأمن المواطن، نافياً ما تردد حول ارتداء شباب الإخوان زيا شرطيا لمشاركة الأمن في القبض علي المتظاهرين، وقال إن قوات الأمن كان دورها الفصل بين الطرفين ولم تتدخل إلا بعد تفاقم الأمر، حيث أطلقت الغازات المسيلة للدموع ولم تطلق الخرطوش، ورغم ذلك اتهمنا الطرفان بالتقصير، وهو ما يؤكد أننا لم ننحاز لطرف علي حساب الآخر، ولسنا مع فصيل سياسي بعينه دورنا هو الحفاظ علي الأمن، موضحاً أنه تم ضبط 6 مشاغبين أمام المقر، وحصيلة الإصابات 111 مصاباً بينهم3 بطلقات خرطوش، إلي جانب إصابة ثلاثة ضباط وشرطي. بينما نفي مساعد وزير الداخلية مدير الإدارة العامة للتواصل المجتمعي اللواء أبوبكر عبدالكريم وجود أي تواصل مع طرفي النزاع قائلاً: أحداث العنف بمقر المقطم سببها صراع سياسي بين القوي السياسية، وتواصلنا معها لن يجدي، لأن هناك خلافا أيديولوجيا بينها، لن يتم حله إلا من خلال التواصل بينهم، ونحن ننأي بأنفسنا عن التدخل في أي خلاف سياسي.