عندما شاهدنا فيلم »ليلة غرام« وكنا مازلنا صغارا.. وهو الفيلم المأخوذ عن قصة »لقيطة« لعبدالحليم عبدالله.. وقامت ببطولته وجه جديد في غاية الرقة والجمال اسمها »مريم فخر الدين«.. أما عن دخولها مجال السينما فقد نشرت إحدي المجلات صورة لها ضمن الفتيات اللاتي يرشحن للعمل بالسينما. ولم يجد المصور عبده نصر منتج فيلم »لقيطة« الذي أسماه »ليلة غرام« أجمل صورة منهن فهي تتمتع بوجه ملائكي برئ وابتسامة هادئة وشعر ناعم ينسدل علي كتفيها.. وبشرة بيضاء رقيقة.. وهو الفيلم الذي أخرجه أحمد بدرخان في بداية الخمسينات. فالفيلم يتناول حياة فتاة لقيطة تخرج من الملجأ وحيدة بعدأن فقدت المرأة التي تحن عليها إلي عالم لايرحم.. تلاطمها الأمواج وتعمل ممرضة في مستشفي خاص.. ويحقدن عليها زميلاتها من الممرضات لجمالها ويدبرن لطردها من المستشفي.. فتذهب لتعمل في مستشفي حكومي.. وهناك تلتقي مصادفة بوالدتها الحقيقية التي تطلعها علي السر وتموت.. لترتبط بطبيب يخفق قلبه بحبها.. لكن القدر كان دائما لها بالمرصاد. استطاعت مريم أن تستدر الدموع من أعيننا.. وكنت أخفي عيني من الخجل وأنا دامعة العينين وأصبحت مريم بعد ذلك من أهم نجمات السينما بعد هذا الفيلم الذي حقق نجاحا كبيرا رغم أنه لايحتاج إلي اجتهاد في التمثيل.. لذلك حاصرها المنتجون والمخرجون في هذه النوعية من الأفلام التي لاتحتاج إلي التطور.. فقد كانت المرأة في ذلك الوقت لاتزال تكافح من أجل العمل والاستغلال المادي للخروج من جلباب »سي السيد« وهذه الصورة كانت موجودة في ذلك الزمن.. زمن الميلودراما الملئ بالكوارث والأفلام الرومانسية المليئة بالدموع.. فقد عملت مريم مع جيل الكبار الذين لم يساعدوها في تطوير نفسها.. ولم يكد يمر سنوات حتي بدأت هذه الأفلام في التراجع مع ظهور صلاح أبوسيف أبو الواقعية المصرية ويوسف شاهين وتوفيق صالح.. وظلت مريم حبيسة أدوارها.. وساعدتها علي ذلك الصحافة ووسائل الإعلام الذين أسموها »الملاك الرقيق« قدموا لها فيلم »وعد« من إخراج أحمد بدرخان، و»المساكين« كما أخرج لها فطين عبدالوهاب فيلم »طاهرة« تقوم بدور بياعة بليلة.. امرأة تقيه أمام مسجد السيدة.. عملت مريم مع كبار المخرجين الذين لم يتطوروا بها.. فبدأت أفلامهم تتقهقر مع ظهور الواقعية المصرية. وكانت مريم تعترف بأنها إذا لم تطور نفسها وتعبر عن الواقع التي كانت السينما من قبل تقدم المرأة الضعيفة في مجتمع ذكوري، وبدأت مريم تطور نفسها بعد تكرار أدوارها التي حفظناها.. وربما قام بذلك زوجها محمود ذوالفقار الذي أخرج لها »رحلة غرامية« فيه شيء من البهجة لامرأة تحب الحياة. ولا ننسي دورها في فيلم »رد قلبي« قصة يوسف السباعي الذي أخرجه عزالدين ذو الفقار.. حيث أدت دور أبنة الباشا الظالم التي أحبت أبن الجنايني ووقفت إلي جانبه رغم أن أخاها الظالم »أحمد مظهر« قد حاول قتله ومن ينسي دورها في »الأيدي الناعمة« كما أخرج لها زوجها محمود ذو الفقار العديد من الأفلام.. لكن الخلافات دبت بين الزوجين وانتهت القصة بالطلاق.. ❊ ❊ ❊ وبعد هذه الأحداث ذهبت مرة أخري إلي بيروت وكانت مرهقة مُفلسة.. وتزوجت للمرة الثالثة وبعد طلاقها مرة ثالثة تزوجت من المطرب السوري فهد بلان وعادا للقاهرة لتسترد حضورها علي الشاشة.. مثلت مع فريد الأطرش »رسالة غرام« لبركات.. وغني لها عبدالحليم حافظ في فيلم »حكاية حب« لحلمي حليم أغنية »بتلوموني ليه«.. ❊ ❊ ❊ التقيت بها مرة في مهرجان الاسكندرية.. وكانت تصور دورا في أحد الأفلام هناك.. وفوجئت بحديثها الذي أحببت فيه براءته زمان وكأني أجلس أمام امرأة أخري غير التي عرفتها.. ولم أصدق الكلام الذي يخرج من فم هذه البراءة. وحين كرمناها في مهرجان الاسكندرية السينمائي التي أنا عضو فيها وقفت بعد أن تسلمت الجائزة تقول: »إن ممدوح الليثي لم يكرمني في العام الماضي بحجة أنني لا أعرف أن أتكلم بالرغم من أنني أجيد سبع لغات.. وبدأت تقول مساء الخير بالسبع لغات.. وطبعا لم يكن ممدوح يقصد معرفتها باللغات! ❊ ❊ ❊ شاهدت مرة برنامجا تليفزيونيا تقدمه صفاء أبوالسعود يتناول موضوع ضرب الزوجات.. ودعت فيه عدة سيدات منهن مريم فخر الدين والكاتبة القديرة حُسن شاه التي تتناول قضايا المرأة والمتفقهة في دراسة ا لشريعة الإسلامية. قالت مريم فخر الدين: »لقد تزوجت أربع مرات وكل أزواجي ضربوني« فردت عليها حُسن شاه تقول لا.. »لقد تزوجنا أزواجا يحترموننا.. ولكن بما أن أزواجك الأربعة ضربوك فأنت لازم تستاهلي يامريم!« كنت أود أن أري مريم فخر الدين في صورتها القديمة الجميلة البريئة لنظل نحتفظ بهذا الشكل وبهذه البراءة.. فقد اعتزلت بعض نجمات هوليوود المتألقات في عز شبابهن وجمالهن مثل جريتا جاربو ومارلين ديتريتش وغيرهن.. وفي مصر ليلي مراد وشادية.. ولاتزال الناس تذكرهم وتحبهم بل إن الشارع الذي يقام فيه مهرجان برلين الآن يحمل اسم مارلين ديتريتش الالمانية الأصل.