ما استمعت مرة إلي كوكب الشرق أم كلثوم وهي تشدو بأغنية: أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوي نهي عليك ولا أمر وهي من كلمات الشاعر والأمير والفارس أبي فراس الحمداني إلا عاد بي الخيال إلي أيامه التي عاشها في القرن العاشر الميلادي، وكيف كان علما من أعلام الشعر، وفارسا حارب ضد الروم مع ابن عمه سيف الدولة الحمداني، وأسر في إحدي هذه الغزوات، وحملة الروم معهم إلي القسطنطينية، حيث بقي في الأسر مدة أربع سنوات، عرف أثناء تلك السنوات معني الغربة والاغتراب، والحنين إلي الأهل والوطن، وكتب معبرا عن مشاعره تلك أعذب الأشعار التي أطلق عليها مؤرخو ونقاد الأدب (الروميات)، ولم يستجب سيف الدولة لتوسلاته، وكان يأمل من سيف الدولة أن يفديه بالمال، ويبعده عن قهر الأسر وذل الاغتراب، وعندما لم يستجب سيف الدولة أرسل إلي أمه يبثها حزنه علي فراقها، وآلامه في الأسر وقال لها في إحدي قصائده: لولا العجوز بمنج ماخفت أسباب المنية ولكان لي عما سألت من الفدا نفس أبيه لكن أردت مرادها ولو انجذبت إلي الدنية وفي هذه القصيدة يوصي أمه بالصبر الجميل، ولكن أمه تموت وهو مايزال أسيرا، فيعبر عن مشاعره وأحزانه بقوله: أيا أماه كم بشري بقربي أتتك ودوني الأجل القصير إلي من أشتكي ولمن أناجي إذا ضاقت بما فيها الصدور ومن أروع ماكتبه أبو فراس في الغربة والأسر، مناجاته لحمامة، إنها تنوح علي الغصن حرة طليقة بينما يرسف هو في قيود الأسر، فاقدا لحريته، متطلعا إلي الانفلات من هول ماهو فيه، فهو أمير وفارس يحب القتال والنزال، ولايحب أن يعيش بين جدران السجن الباردة، إنه يقول في رائعته تلك: أقول وقد ناحت بقربي حمامة إيا جارتا هل بات حالك حالي معاذ الهوي ماذقت طارقة النوي ولا خطرت منك الهموم ببالي إلي أن يقول: لقد كنت أولي منك بالدمع مقلة ولكن دمعي في الحوادث غالي وفي الأسر كتب أيضا رائعته التي شدت بها أم كلثوم: أراك عصي الدم..! وعاد من الأسر عام 966م وبعد وفاة سيف الدولة اتهم بأنه يحاول الثورة علي ابنه أبي المعالي، فقتله أبو المعالي.. وكأنه كان يتنبأ بموته، فقد قال قبل وفاته: أبنيتي لا تجزعي.. كل الأنام إلي ذهاب نوحي عليّ بحسرة.. من خلف سترك والحجاب وكان مقتل هذا الفارس الشاعر في ربيع الآخر عام 357ه 968م.