اشتدت علينا الهموم واستبد بنا الكرب حزنا علي ما فرطنا في حق مصر وإشفاقا علي قلبها المكلوم من تصرفات بعض المتوطنين علي أرضها يأكلون من خيراتها ويشربون ماء الحياة من نيلها ، فإذا اشتد ساعدهم وقويت أزنادهم رموها بالحجارة ورشقوها بنيران المولوتوف أو دبروا بليل لحرق الأخضر واليابس فيها، لكأنما هي بلد لافضل له علي أحدهم ولا حرمة له في قاموسهم، في هذا الجو المفعم بالأسي والحزن علي مصر وما يجري عليها من عبث دعوت الله أن يحملني إلي بيته الحرام لأعتمر فأطوف مستسلمالأمر الله وأسعي بين الصفا والمروة مستذكرا ومستلهما حكمة الله في سعي هاجر وولدها نبينا إسماعيل جد نبينا محمد صلي الله عليهم وسلم، أن السعي أساس النجاح وإدراك المأمول، فلو أن أمنا هاجر عليها السلام جلست والحزن بعينيها لعطش ولدها إسماعيل لما أدركت زمزم فشرب صغيرها وشربت هي وما زلنا نشرب من زمزم إلي يومنا هذا.. إن سعي هاجر عليها السلام درس عظيم مهم لكل من يطلب البناء والتعمير والرخاء وإدراك الرفاهية والكفاية من قوته، وهذا مايؤكده القرآن في دعوته . " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " . وقدكان وصلنا إلي بيت الله الحرام بعد جهد وسهر وأدينا العمرة في يسر وسهولة وإن لم تكن الأولي فقد سبقتها بخمسين عمرة من فضل الله إلا أن الجديد في عمرتي هذه صحبة زميل عزيز وأستاذ كبير، طالما تعلمت منه كل خلق كريم وعمل نافع بل إنني أشهد أنه من أكفأ الصحفيين وأقوي النقاد الذين عرفتهم طوال ثلاثين سنة، لقد كنت محظوظا أن أصحب أستاذي الكاتب والناقد الفني المسرحي عبد الرازق حسين مدير تحرير آخر ساعة وحرمه المصون وأظن أنها عمرتهما الأولي، أدينا العمرة وألسنتنا تلهج بالدعاء والثناء علي الله شكرا لما وفقنا للصلاة في الحرم والطواف والسعي والارتواء من ماء زمزم، ويقينا لم تغب مصر عنا ولم ننسها في الدعاء فكلنا دعا لها بما تيسر له وما يحب لها، فقلت : اللهم إنا في بيتك وحرمك نقف علي بابك خاشعين عابدين فلا تطردنا واقبلنا وافتح لنا أبواب الفضل والاستجابة، اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم، فعلينا الدعاء وعليك الإجابة كما وعدتنا، اللهم إن مصر في محنة ،تكالب عليها المرجفون ،واستباح حرمتها المجرمون، وتآمر عليها الأفاكون، وقعد عن حمايتها المواطنون، اللهم إنك تعلم أن مصر مهد الأنبياء إدريس وإبراهيم ويوسف وموسي وعيسي عليهم السلام، وعلي أرضها خطا كل هؤلاء، وقد ذكرتها في القرآن ثلاثين مرة، اللهم نجها من مكر الماكرين وحقد الحاقدين وتدبير المدبرين ، اللهم رد مكرهم وكيدهم في نحورهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم من أراد مصر بسوء فأذبه ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء، واهد شعبها للعمل بما يرضيك ويرضيها، وارزق أهلها من الثمرات، واحفظنا من الموبقات المهلكات ... اللهم تقبل.