الذكرى الثانية لثورة يناير موقعة الجمل أشعلت الثورة تأتي ذكري الثورة الثانية التي تهل علينا يوم الجمعة المقبلة في وقت ينقسم الشارع المصري حولها بين من يري فيما جري خلال عامين إنجازا بجميع المقاييس، فيما يري البعض الآخر أن ما تم كان عودة للوراء وأن ما جري لم يلب الطموح الشعبي الذي ضحي بدماء طاهرة من أجل لا شيء، وبين محتفل وداع لثورة غضب جديدة يبدو أن يوم الجمعة المقبل سيكون صعبا علي الجميع، فالرئيس محمد مرسي مطالب بتقديم خارطة طريق حقيقية يسير الشعب المصري خلفه فيها نحو مستقبل أفضل، والمعارضة مطالبة بأن تطرح مشروعها كبديل حقيقي بعيدا عن حديث الفضائيات، فنظام قوي ومعارضة أقوي هي الضمانة الحقيقية لمستقبل أفضل لهذا الوطن الذي يضمنا جميعا. جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي "الحرية والعدالة" قررت الاحتفال بالذكري الثانية للثورة، وهو أمر محل بحث بين الإخوان وبين الأحزاب والقوي السلفية للاستقرار علي شكل الاحتفال بذكري الثورة، وإن كان الدكتور محمود حسين، الأمين العام للجماعة، قال ل"آخر ساعة" إن "الجماعة حريصة علي جعل يوم 52يناير مناسبة احتفالية لجميع أفراد الشعب المصري لتذكر بداية الثورة وما تحقق علي مدار العامين، لذلك قررنا المشاركة في الاحتفال في جميع المحافظات لتذكير الناس بمبادئ الثورة وأهدافها والتأكيد علي استمرارية الثورة من خلال الهيئات المنتخبة في تحقيق أحلام الشعب وطموحاته، من خلال الحث علي الاستقرار والعمل علي بناء مؤسسات الدولة وتطويرها فالطريق مازال طويلا". وكان الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين قد أشار، في تصريحات له الأسبوع الماضي، إلي وجود احتفاليات بذكري الثورة من خلال فعاليات يترتب عليها خدمة المجتمع بشكل عملي مثل مليونيات العمل والإنتاج، كزرع مليون شجرة أو تنظيف ألف قرية"، مؤكدا أن المليونيات ليست مجرد تظاهرات فقط. واستنكر المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان ما سماه الحملة الشرسة لتشويه "الإخوان"، قائلا: "سنتصدي لمحاولات العلمانيين إسقاط الرئيس مرسي وإفشاله للحصول علي كرسي الرئاسة، فالإخوان لا يعرفون مصطلح الفشل وسينجح حكم الجماعة بقيادة الرئيس مرسي، وكل ما شاب حكمه من أخطاء السبب فيها حكومة هشام قنديل التي لا تعبر عن الإخوان وسيتم إجراء تعديل وزاري لتشكيل حكومة تعبر عن فكر الجماعة لتكون خير عون للرئيس مرسي". في السياق ذاته ساد الغموض موقف القوي السلفية التي انقسمت بين مؤيد لمشاركة الإخوان احتفالهم وبين مقاطع لفكرة النزول يوم الجمعة من الأساس، فقد أعلن حزب "النور" السلفي مقاطعته للمشاركة في احتفالات جماعة الإخوان المسلمين وكذلك مقاطعته للمشاركة في دعوات الغضب، ملتزما الصمت في الاتجاهين، أما الجبهة السلفية فقد أعلنت مشاركتها دعوات الاحتفال بثورة 52يناير إلا أنها فضلت التواجد في ميدان التحرير ما يرشح الأمر للتصاعد وحدوث مواجهات مع الرافضين لفكرة الاحتفال والداعين لمظاهرات غضب في ميدان التحرير. جبهة الإنقاذ في المقابل، أعلنت جبهة الإنقاذ، كبري قوي المعارضة، موقفها النهائي من تظاهرات الجمعة، يوم الأحد الماضي، وأعلن أعضاء الجبهة وممثلو الاحزاب المنضوية فيه، في مؤتمر صحفي بمقر نقابة الصحفيين، أنهم سيخرجون "في نفس اليوم الذي بدأت فيه ثورتنا المجيدة قبل عامين لنكمل ما بدأناه معا يدا بيد وعلي قلب واحد وأهداف واحدة، سنخرج ونحن نرفع شعار "لا لدولة الإخوان" ولا للجماعة التي تريد الاستئثار بالحكم وحدها فكان سبيلها إلي ذلك دستور مُغتصب باطل لا يكفل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين". وطالبت جبهة الإنقاذ الشعب المصري بأن "ينتفض من جديد مدافعاً عن ثورته وعن مطالبها المشروعة وعن حقوقه في مواجهة جماعة سعت منذ اللحظات الأولي لسرقة الثورة وتزييف التاريخ لمصلحة فئة محدودة".وأكدت الجبهة أن مطالبها في يوم الجمعة ستكون (عيش- حرية- عدالة اجتماعية)، وأن التحرك سيكون من خلال أربع مسيرات تحمل كل منها شعار تطالب به حيث تنطلق إلي ميدان التحرير عقب صلاة الجمعة المسيرة الأولي تخرج من دوران شبرا لطلب العدالة الاجتماعية و المسيرة الثانية تخرج من إمبابة وتنضم إلي مسيرة مسجد مصطفي محمود لرفض الغلاء و المسيرة الثالثة تخرج من مسجد الفتح بالعباسية إلي دار القضاء لرفض الدستور الجديد والمسيرة الرابعة تخرج من المعادي إلي التحرير تحت شعار " لا لحكومة الإخوان". وقال الدكتور أحمد سعيد، رئيس حزب المصريين الأحرار وعضو جبهة الإنقاذ، إن الجبهة قررت المشاركة بقوة في فاعليات الذكري الثانية لثورة 52 يناير، ودعت جماهير المواطنين للاحتشاد بجميع الميادين في كل محافظات الجمهورية لاستكمال أهداف الثورة، والتأكيد أن الشعب سيحمي ثورته لاستكمال كل أهدافها، في وطن حر. من جهته، أعلن الناشط السياسي الشهير، وائل غنيم، أحد أبرز الأسماء الشبابية التي ارتبطت بالثورة، نزوله ميدان التحرير الجمعة المقبلة، وحدد غنيم قائمة مطالبه، قائلاً :" لن أنزل للاحتفال أو إسقاط الرئيس مرسي، ولكنني سأطالب بحماية صندوق الانتخابات من التزوير ومحاسبة قتلة شهداء الثورة، وتقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين". وقال غنيم، خلال لقائه، مع الإعلامية مني الشاذلي ببرنامج "جملة مفيدة" علي إحدي الفضائيات:" لن أنزل للاحتفال أو إسقاط رئيس منتخب، لأن الدكتور مرسي في النهاية هو رئيس شرعي منتخب، وإسقاطه لا يعني بالضرورة استمرار الذي يأتي بعده، فما الضمانة أن تأتي مظاهرات بعد تعيين غيره وتطالب بتغييره هو الآخر، ولكن نزولي في الأساس لحماية الصندوق من التزوير، ومن أجل محاسبة قتلة شهداء 52يناير، وما بعدها من أحداث، والاعتراض علي الممارسات الخاطئة التي حدثت خلال فترة حكم الرئيس والتي منها تعيين النائب العام طلعت إبراهيم بطريقة غير قانونية، كما سأدعو لتقنين وضع جماعة الإخوان، فلا يصح أن تكون جماعة بهذا الحجم موجودة بشكل غير قانوني، وتقنينها سيكون من باب تكافؤ الفرص". عامان الثورة التي اندلعت بتظاهرات عفوية دعا لها شباب موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك في 25 يناير2011م، نجحت في الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك سريعا في أقل من 18 يوما، واكتشف الشعب تهافت نظام قمعي شاخ علي مقاعد الحكم لأكثر من ثلاثين عاما مارس خلالها كل أشكال القمع والإذلال للشعب المسالم بطبعه، لكن الثورة باعتبارها تغيير نحو الأفضل ظن الشعب المصري إن الإطاحة بمبارك ونظامه كافية لتحقيق جميع أحلام الشعب وآماله العريضة بمجرد ما تتم الإطاحة بمبارك وأعوانه، لكن أمد التغيير طال حتي فقد الكثيرون الأمل في تحقق هذا الحلم المنشود خصوصا مع تساقط الشهداء في أحداث محمد محمود الأولي وقصر العيني نهاية عام 2011 ثم أحداث العباسية ومحمد محمود الثانية وغيرها في عام 2012 مع استمرار الاضرابات العمالية التي وصلت إلي رقم قياسي في عام 2012 فلم يكد أسبوع في تلك السنة يخلو من ثلاثة أو أربعة إضرابات عمالية. جانب من جوانب اليأس تمثل في خروج رموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك ورجال الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين من السجون تباعا فيما عرف بمهرجان البراءة للجميع، وهو ما سبب حالة من الإحباط العام لدي الشعب المصري الذي رأي جلاديه يمرحون خارج السجون، وهو ما دفع الرئيس مرسي بحسب تصريحات المقربين منه إلي الإطاحة بالنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، بعد اتهامه بالتقاعس عن جمع أدلة كافية لإدانة رموز النظام السابق، خصوصا إن قرار إقالة النائب العام تزامن مع تشكيل لجنة تقصي الحقائق وتشكيل نيابة الثورة المكلفة من قبل الرئيس مرسي بإعادة التحقيق في الجرائم التي ارتكبت ضد الثوار في ضوء البحث عن أدلة جديدة تكون أكثر وضوحا في تحديد الجناة. منحة السلطة نجحت جماعة الإخوان المسلمين خلال عامين من الثورة في الوصول إلي سدة الحكم سريعا، فبعد الانتصار في سبعة استحقاقات شعبية حقيقية (أربعة منها في الانتخابات النيابية واثنان في الانتخابات الرئاسية وواحدة في الاستفتاء علي الدستور) وستة أشهر من الحكم، كشف خلاله الشعب عن انحيازه للمشروع الإسلامي، إلا أن الأداء لم يكن علي مستوي الطموحات الضخمة المنعقدة علي الإخوان المسلمين في السلطة، فمنحة السلطة التي سعت إليها الجماعة علي مدار أكثر من ثمانين عاما، تحولت إلي محنة قاسية مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها مصر حاليا، ما يجعل اختبار السلطة حاسما أمام جماعة الإخوان المسلمين التي عليها فضلا عن تقديم مشروع حقيقي للنهوض بالبلاد المنهكة علي مدار أكثر من أربعين عامًا، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، العمل علي إنهاء حالة الخصام والانقسام الواضحة في الشارع المصري، والتي قد تتعمق إذا ما حدثت مصادمات يوم الجمعة المقبلة. الجماعة في السلطة تتعرض لهجوم من قبل القوي السياسية المعارضة التي تري أنه لا نهضة تحققت ولا ملامح مشروع لعلاج مشاكل مصر الاقتصادية تبلور، كل ما في الأمر أن المواطن البسيط لا يزال يعاني من الفقر والإهانة اليومية التي تُوجهها له الحياة في بر مصر. الخوف من الفشل في الحكم أكبر محنة تواجه جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها علي يد حسن البنا سنة 8291فمشاكلها مع السلطات الحاكمة كانت تخرج الجماعة أكثر قوة، فيكفي أنها تخرج في عيون الشعب كقوة معارضة تتعرض للاضطهاد، ما يكسبها دعما شعبيا علي الرغم من ضربات هراوات الأمن الغليظة، لكن اليوم "الجماعة" في الحكم والشعب هو الحكم فالخسارة تعني إعلان إفلاس تجربة "الإخوان". حقق الرئيس مرسي سلطة لم يحلم بها، فالإسلاميون تحالفوا مع القوي المدنية للوقوف خلفه لإسقاط مرشح الفلول الفريق أحمد شفيق في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو 2012 ونجح مرسي واستطاع أن يجمع كل السلطات في يده بعد الإطاحة برئيس المجلس العسكري وزير الدفاع السابق محمد حسين طنطاوي وكبار مساعديه وبدا كأنه في شهر أغسطس الماضي سيد البلاد الأوحد فاستبشر البعض وتوجس البعض الآخر، فمرسي حقق إنجازا تاريخيا بالإطاحة بنظام سياسي عماده جنرالات الجيش ليصبح أول رئيس مدني منتخب بطريقة شرعية من قبل الشعب، إلا أن عدم تحقق إنجازات حقيقية خلقت حالة من التذمر العام نتيجة ارتفاع الأسعار وتكرار حوادث السكك الحديدية.