هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، امرأة قوية وذكية.. شخصية جادة محبة للعمل حتي مع إصابتها بوعكة صحية الأسبوع الماضي، حرصت علي العمل من داخل المستشفي وعادت إلي مكتبها فور خروجها.. فمشوار حياتها يكشف عن طموح امرأة لم يتوقف ولن ينتهي، تولت عدة مناصب وحققت إنجازات لم تحققها سياسية أمريكية، فعندما كان زوجها بيل كلينتون رئيساً، كانت سكرتيرته، ومستشارته. والآن تطمح في خوض ماراثون انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 وامتلاك مفاتيح البيت الأبيض مجدداً، إلا أن مرضها تحول إلي جدل سياسي وسط الجمهوريين الذين انتقدوا عدم نشر معلومات حول وضعها الصحي الذي قد يؤثر علي فرصتها للترشح، مما وصفها البعض بمؤامرة لاغتيال شخصية هيلاري التي تتمتع بحضور قوي وبساطة تيسر علي الآخرين التقرب منها. بعد أسبوعين من إصابتها بإغماء، ووقوعها وإصابتها بارتجاج في المخ، نقلت هيلاري كلينتون (65 عاماً)، إلي مستشفي بريسبتيريان بنيويورك، بعد أن تدهورت صحتها، إثر إصابتها بجلطة في وريد خلف أذنها اليمني، تم اكتشافها أثناء اختبار متابعة أجري لها. وأوضح الأطباء المشرفون علي علاجها في بيان أصدرته الخارجية الأمريكية، أن التجلط الدموي لم يسفر عن أي ضرر لأعصابها. وغادرت هيلاري المستشفي، برفقة زوجها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وابنتها تشيلسي، بعد أن تلقت علاجاً لسيولة الدم للمساعدة علي ذوبان الجلطة. من جهتها، كتبت تشيلسي علي حسابها علي تويتر إنها سعيدة لأن والدتها تمكنت من مغادرة المستشفي والعودة إلي المنزل. وأضافت أنها تشعر بسعادة أكبر لأن الأطباء يتوقعون شفاء كاملاً لها. ومن جانبها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند إن هيلاري كانت تتحدث مع معاونيها، وكانت نشطة جداً علي الهاتف معهم، كما قامت أيضاً بإجراء بعض المكالمات مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية لسوريا الأخضر الإبراهيمي لبحث زيارته الأخيرة إلي دمشق، كما تحدثت هاتفيا مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني لمناقشة الوضع في سوريا وأفغانستان والدعم المالي للسلطة الفلسطينية. وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند أن هيلاري تعتزم بعد تعافيها من الوعكة الصحية الحالية المشاركة في المباحثات التي سيجريها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الأفغاني حامد كرزاي خلال زيارة الأخير لواشنطن من 8 إلي 11 يناير الجاري. وأشارت إلي أن المباحثات من المتوقع أن تتناول قضايا الأمن والتحول السياسي والانتخابات المقرر أن تجري في عام 2014 في أفغانستان والدعم الاقتصادي الأمريكي لها والاستراتيجية المتعلقة "بطريق الحرير" واستراتيجية التكامل الإقليمي. وكانت الخارجية الأمريكية قد أصدرت خلال الأسابيع الماضية بيانات تتناول الوضع الصحي لهيلاري لكنها لم تسمح بالرد علي التساؤلات بشأن تغيبها الطويل وغير المسبوق عن العمل السياسي. وخرج بيان من الوزارة قال إن هيلاري ستبقي في منزلها، في ضاحية من ضواحي نيويورك، مع كلينتون، وإنها ستواصل عملها من المنزل، وإنها ستعود قريباً إلي مكتبها في الخارجية بالعاصمة واشنطن. وأعلن فيليب راينس مستشار هيلاري في 9 ديسمبر أن وزيرة الخارجية مصابة بفيروس معوي أرغمها علي إلغاء جولة في شمال أفريقيا، وقطع زيارتها إلي أوروبا والشرق الأوسط. وعلقت مصادر في الحزب الجمهوري حينها علي البيان بأنه تهرب من ذهاب هيلاري إلي الكونجرس للإدلاء بشهادة حول الهجوم علي بنغازي في ليبيا، بعد أن أظهر تقرير أجرته وزارة الخارجية وجود خلل أمني لحماية القنصلية. وأثبتت هيلاري ولاءها للرئيس الأمريكي باراك أوباما لدرجة أن البعض قالوا إنها حملت المسؤولية عنه في الهجوم علي القنصلية الأمريكية الذي قتل فيه 4 دبلوماسيين بينهم السفير كريس ستيفنز في سبتمبر الماضي، وهو الهجوم الذي وصفته هيلاري بأسوأ الحوادث في ولايتها. وعرف عن كلينتون دفاعها عن بلادها خلال توليها وزارة الخارجية، وكذلك دعمها للديمقراطية ودعواتها إلي اللجوء إلي القوة الذكية. وصنفتها مجلة "التايم" ضمن أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم لعام2012 وألقي أرون ديفيد ميلر، خبير في مركز واشنطن للشرق الأدني، باللوم علي أوباما نظرا لقبضته الشديدة علي شؤون السياسة الخارجية. وقال إن أوباما كانت لديه وزيرة خارجية موهوبة لدرجة كبيرة وقادرة، لكنه لم يمكنها من استغلال كامل قدراتها في أي قضية مهمة تتعلق بالسلام أو بالحرب. وأثار مرض وزيرة الخارجية الأمريكية جدلاً سياسياً، وقال البعض إن المرض سيؤثر حتما علي احتمال ترشحها للرئاسة عام 2016 علما بأنها كانت نفت مراراً عزمها الترشح. وأنها لن تبقي في الخارجية، للتفرغ لكتابة مذكراتها. وكان استطلاع، مع نهاية العام، أوضح أن 52٪ من الأمريكيين يؤيدون أداء أوباما، مقابل 73٪ لزوجته ميشيل. وبين الاستطلاع، الذي أجرته شبكة "سي إن إن" أن أداء هيلاري نال تأييد66٪ ولذلك كان من المستغرب أن تختفي هذه السياسية التي كانت الأكثر ظهوراً وأمضت عقوداً تحت الأضواء، لعدة أسابيع بسبب إصابتها بسلسلة من الوعكات الصحية. وقالت كلينتون للمقدم التلفزيوني علي الشبكة، ولف بلتيز، رداً علي دعوة الديمقراطيين لها لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة مجدداً، إنه يشرفها هذه الدعوة، ولكن هذا ليس ما تنوي عمله مستقبلاً، إلا أنها تأمل في الإدلاء بصوتها كامرأة تخوض الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة. وتولت هيلاري المنصب منذ عام 2009 من أبرز المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية عام 2008 لكنها انسحبت أمام منافسها أوباما، الذي فاز بالرئاسة. بينما انتقد الجمهوريون عدم نشر معلومات حول مرض هيلاري، مما يهدف لعدم التأثير علي فرصتها للترشح إلي الرئاسة في عام 2016 وتحدث جون بولتون، سفير الولاياتالمتحدة لدي الأممالمتحدة في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن قائلا إن مرض الوزيرة مرض دبلوماسي. وطلب بولتون الذي يميل نحو الجناح المتطرف للحزب الجمهوري من وزارة الخارجية نشر تفاصيل حالتها الصحية. وقال إن هناك مؤامرة ديمقراطية لمنع نشر تفاصيل مرض كلينتون حتي لا يؤثر ذلك علي احتمال ترشحها للرئاسة في عام 2016 ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية للصحفية كاثلين باركر مقالاً بعنوان "مؤامرة لاغتيال شخصية هيلاري كلينتون"، حيث انتقدت تصريحات بولتون التي أدلي بها لشبكة "فوكس" الإخبارية. وفي نفس الوقت، أثار غياب بيل كلينتون عن زيارة زوجته في اليوم الأول لدخولها المستشفي نقاشاً حول قوة العلاقات بينهما. ولدت هيلاري في إلينوي عام 1947 وعملت محامية بعد تخرجها في جامعة ييل، حيث التقت زوجها بيل كلينتون عام 1974 وشخصيتها الحادة والجريئة تبدو واضحة في علاقتها بكلينتون وتأثيرها الكبير في حياته ودفاعها عنه أثناء فضيحته الأخلاقية مع مونيكا لوينسكي رغم ألمها ودراستها الانفصال عنه. وصعدت إلي أعلي مراتب السلطة لتخط طريقا للنساء في كل مكان. فعندما دخل زوجها البيت الأبيض صارت ولأول مرة مستشارة رسمية له. وبعد أن تركوا البيت الأبيض ترشحت وفازت بعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك. ولم تفعل سيدة أولي ذلك قبلها. وفي عام 2008 كادت تفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية. وكسبت ولايات كثيرة في الانتخابات التمهيدية، إلا أن أوباما انتصر عليها. وخلال 4 سنوات في الخارجية، باتت أول وزيرة للخارجية تسافر أكثر من أي وزير خارجية قبلها، وأكثر من أي رئيس أمريكي. وأدهشت الكل عندما أعلنت رغبتها في التنحي عن منصبها بعدما أشاد بها قادة العالم لاستعادتها مكانة بلادها في الخارج. وأصبح واضحاً أن تولي أوباما مرة ثانية عرقل طموحات كلينتون لتكون رئيسة، وربما يكون قد أضاع عليها فرصتها الأخيرة، خاصة أن عمرها سيكون 70 عاماً في 2016 بالإضافة إلي مرضها، الذي ربما يكون قد ضر بمستقبلها السياسي.